وقعت التفاسير القديمة فى خطأ جسيم عندما طابقت بين (أهل الكتاب) و(المغضوب عليهم)، حيث ذهب المفسرون إلى تأكيد أن المغضوب عليهم فى فاتحة الكتاب هم (اليهود) وأن الضالين فيها تعنى (المسيحيين)، وهذا كلام عجيب ومخالف للمنطق وللعقل وأهم من ذلك أنه مخالف للمقصد الإلهى والتنزيل الحكيم، كما أنه تصور مضحك وتفسير بائس ومثير للسخرية فى آن.
فإذا كان أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين هم حصرًا ( المغضوب عليهم) و(الضالين) فماذا عن الكفار والمشركين والملحدين وأتباع الديانات البشرية والبوذيين والزرادشتيين وغيرهم؟!
ونحن عندما نرتل آيات الكتاب، أى نجعلها رتلا (طابورا) وفقًا للفعل (غضب) سنجدها ١٩ آية ورد فيها اللفظ من إجمالى آيات الكتاب البالغة ٦٢٣٦ آية.
وبعد حصرها وترتيبها ومراجعة السياق والنظم والمتكلم والمخاطب فى تلك الآيات التى ورد فيهم الفعل (غضب) سنجد التالى:
إحدى تلك الآيات تتحدث عن غضب سيدنا موسي وهو ليس موضوعنا، راجع سورة طه الآية ٨٦.
وأخرى تتحدث عن صفات المؤمنين ومنها أنهم إذا غضبوا يغفرون، راجع سورة الشورى الآية ٣٩.
وثالثة تنصح بعدم اتباع قوم غضب الله عليهم، راجع سورة الممتحنة الآية ١٣ وهي خارج الإطار الذى نبغيه.
والباقى ١٦ آية تحدثت عن (غضب الله) و(المغضوب عليهم) وبمراجعة السياقات فيها والنظم نستنتج أن المغضوب عليهم هم:
الكافرون بآيات الله والذين كانوا يقتلون النبيين، راجع سورة البقرة الآية ٦١ والآية ٩٠ والآية ١١٢ فى سورة آل عمران.
من يقتل مؤمنًا متعمدًا، راجع سورة النساء الآية ٩٣.
الفاسقون من أهل الكتاب الذين يتخذون آيات الله هزوًا ولعبًا، راجع الآية ٦٠ من سورة المائدة.
المشركون الذين يتقربون إلى الله بآلهة أخرى، يتصورون أنها تقربهم إلى الله زلفى، ويرفضون التوحيد الخالص لله الواحد، راجع سورة الأعراف الآية ٧١.
الذين اتخذوا العجل من قوم سيدنا موسى قديما، راجع سورة الأعراف الآية ١٥٢.
الهاربون من ملاقاة الكفار فى الحرب زمن النبى، راجع سورة الأنفال الآية ١٦.
الذى وحد بالله ثم ألحد، وشرح الكفر صدره وقطع صلته بالله، راجع سورة النحل الآية ١٠٦.
الذين يطغون فيما رزقهم الله، راجع سورة طه الآية ٨١.
الزوجة التى تكذب وتتهم زوجها بالكذب والذى اتهمها بالوقوع فى الفاحشة وهو صادق، راجع سورة النور الآية ٩.
الذين راحوا يحاجون فى الله بعد ما استجاب الله لهم، راجع سورة الشورى الآية ١٦.
الذين يظنون بالله ظن السوء من المنافقين ومن المشركين، راجع سورة الفتح الآية ٦.
الذين يتبعون قوم من كل ما سبق ذكره من المغضوب عليهم، راجع الآية ١٤ من سورة المجادلة.
إذن المغضوب عليهم حسب المقصود الإلهى هم حصرًا: الكافرون، والذى يقتل مؤمنا بالله (أى مؤمن) (مسيحيًا كان أو يهوديًا أو من أتباع الرسالة المحمدية)، والفاسقون من أهل الكتاب، والمشركون، والملحدون بعد إيمانهم، والزوجة الخائنة التى تتهم زوجها الذى رآها ترتكب الفاحشة بالكذب، والظانون بالله ظن السوء، وقديما وتاريخيا الذين اتخذوا العجل والذين هربوا من ملاقاة الكافرين إبان الحروب والمعارك الدينية زمن النبى.
وعليه يكون (المغضوب عليهم) فى كتاب الله ليس هم اليهود كما ادعت التفاسير القديمة كلها وردد خلفها مشايخنا ولا يزالون يرددون ذلك ليل نهار فى مساجدنا دون أدنى إدراك أو تمحيص أو مراجعة أو تفنيد.