الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سلامة موسى الحائر دومًا.. والديمقراطية (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وبعد أن سجلنا عوامل وبواعث ومظاهر الحيرة الأبدية التى لازمت سلامة موسى وهى حيرة من نوع خاص لأنها تتولد منها مكونات يقين لا يهتز يمكننا أن نبدأ بالحديث عن ظاهرة سلامة موسى الشخص والفكر.. ولد سلامة موسى عام ١٨٨٧ ومنذ البداية وخوفا من الحسد ثقبت أمه أذنيه وثبتت فيهما قرطين وألبسته ثيابًا سوداء لأنثى.. فهل أثر ذلك فى مستقبل أيامه بما دفعه لمقاومة الخرافة والنزوع نحو العقل والعقلانية؟ والإجابة ربما. 
وفى قريته كفر العفى (شرقية) دخل كتّابًا مسيحيًا وكتّابًا إسلاميًا وحفظ بعضا من هذا وبعضا من هناك فحفظ بعض الصلوات وبعض الترانيم وبعضا من آيات قرآنية وبعضا من حروف الكتابة، وفى عام ١٩٠٣ نال الشهادة الابتدائية من مدرسة الجمعية الخيرية القبطية بالزقازيق. ثم إلى القاهرة فى ذات العام ليلتحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية (وكان بمصر كلها آنذاك ثلاث مدارس ثانوية ويجرى فيها التعليم تحت إشراف الإنجليز، والمدرسة كانت أشبه بثكنة عسكرية تعتمد على أسلوب السمع والطاعة. 
ولم يطق سلامة موسى، واصطدم بأحد المدرسين فانتقل إلى المدرسة الخديوية حيث قضى ثلاث سنوات مليئة بذكريات مريرة تحدث عنها فى كتّابه «تربية سلامة موسى». وتابع سلامة موسى تثقيف نفسه عبر كتابات شبلى شميل وفرح أنطون وكان لأحمد لطفى السيد وجريدة «الجريدة» أثر مهم. وباختصار كانت فترة إقامته بالقاهرة مرحلة تكونت فيها توجهاته الأولية، وكان لديه دخل منحة معيشة ميسورة فقد تراوح إيراده من إرث والده ما بين ٢٥ و٣٠ جنيها شهريا، وهذا مبلغ يكفى ويزيد لحياة يشغل أغلب أوقاتها بالقراءة الحرة والحوارات والجلسات والندوات وعندما اقترب سنه من العشرين سافر إلى فرنسا.
(رءوف سلامة موسي- سلامة موسى أبي- ص٣١)، وهناك تعلم الفرنسية والإنجليزية بعد ذلك من متابعة الصحف الفرنسية ومنها الأومانيتية ذات التوجه اليسارى وكان يقرأ كل أسبوع كتابين أو ثلاثة بما صنع منه إنسانا موسوعي الثقافة (تربية سلامة موسي- ص٧٨) وفى عام ١٩٠٩ انضم سلامة موسى إلى الجمعية الفابية فى لندن ووصفها «بأنها جميعة إنجليزية مشتقة من حزب العمال البريطانى أنشئت عام ١٨٨٤ هدفها تحقيق نظام اشتراكى بالتدريج وبدون ثورة» (تربية سلامة موسى ص٩٠) وكما لم يطق سلامة نظام التعليم المدرسى فى مصر فإنه لم يطقه فى إنجلترا وبدأ فى تثقيف نفسه بنفسه، (سلامة موسي- التثقيف الذاتى أو كيف نربى أنفسنا) ووجد سلامة موسى فى الجمعية الفابية رجالا ونساء يقولون إنه يجب أن يرحل الاحتلال الإنجليزى من مصر ويقول: «فأحببت الإنجليز وكرهت الاستعمار الإنجليزى» وتعرف سلامة موسى على جماعة العقليين وكانوا يصدرون عددا من المطبوعات الرخيصة والمبسطة عن العلوم والمكتشفات، كما كتب سلامة موسى خلال وجوده فى إنجلترا كتيبا صغيرا (٢٩ صفحة من الحجم الصغير) عنوانه مقدمة السوبرمان وقد بناه فى الأساس وفق فهمه لنظرية داروين وصدرت طبعته الأولى بمصر عام ١٩١٠. وبعد عودته إلى مصر عاش سلامة موسى فى مناخ مفعم بمفكرين طامحين للتغيير وساعين نحو العقل والعلم. 
وكتب سلامة عديدا من المقالات عن رواد الفكر الأوروبى الحديث ومنهم مشاهير إنجليز وأمريكيين وفرنسيين وغاندى وهم يمثلون الخطوط أو الخمائر التى كونت عقله وفكره وطموحاته، وقد ركز على ثلاثة من المفكرين العرب مؤكدا تأثره بهم تأثرا عميقا وهم يعقوب صروف الذى لفت نظره إلى طريق العلم وفرح أنطون الذى فتح أمامه أبواب التعرف على الآفاق الأوربية فى الأدب وأحمد لطفى السيد الذى نادى بشعار مصر للمصريين بما منحه كمسيحى مساحة عريضة للتحدث عن الوطنية المصرية ورفض فكرة «العثمانية».. ويقول: «إن أحمد لطفى السيد هو أعظم من مارسوا الصحافة فى مصر فهو فيلسوف يهتم بأرسطو طاليس وفى نفس الوقت يهتم بالكتابة عن ترقية الزراعة والصناعة» (هؤلاء علمونى ص ٢٤٢) وثمة باحث هو الأستاذ عصمت نصار قارن بين أحمد لطفى السيد وسلامة موسى ودورهما فى معارك التنوير.. فقال أن «دور سلامة موسى هو بلا شك مكمل لدور أحمد لطفى السيد وإن اختلفت سبلهما وأساليبهما نحو التنوير (عصمت نصار- فكرة التنوير بين لطفى السيد وسلامة موسى ٢٠١٤ ص٢٢٨) لكن سلامة موسى يراكم أسماء عديدة لمن تعلم من قراءته لهم ومنهم على سبيل المثال: «فولتير جيته- داروين- فيسمان- ابسن- نيتشه رينان- ديستوفسكي- ثورو- تولستوي- فرويد- سميث إليس- جوركي- برناردشو- غاندي- ويلز- شفيتزر- جونديور- سارتر» لكن سلامة موسى كتب كثيرا وأثنى كثيرا والتزم كثيرا بكتابات فولتير ويشير أحد دارسى مسيرة سلامة موسى وهو فكرى أندراوس إلى ذلك قائلا: «لأنه رأى نفسه يقوم فى مصر بالدور الذى قام به فولتير فى أوربا فى القرن ١٨» وإذا كانت المقارنة بين أحمد لطفى السيد وبين سلامة موسى قد فرضت علينا فإننا نجد أنه من الضرورى أن نمايز بين المواقف.. ففى دراسة سابقة رأينا كيف تراجع لطفى ورفاق دربه من أصحاب الجريدة ثم جريدة السياسة عن العقلانية والليبرالية الصافية، وألبسوا كثيرا من أفكارهم ثيابا دينية فتحت الباب أمام أسلمة السياسة على أيدى خصومهم (جماعة الإخوان) فإن سلامة موسى قد انفرد بالتمسك بآرائه وإن كان قد روى عنه أنه كان يمسك فى يديه كتابا ماركسيا ويطالعه وهو على ظهر مركب عائدة من أوروبا إلى مصر.. ويقرأ ثم يمزق الورقة التى ينتهى من قراءتها ويلقيها فى البحر.. وهو قد اعترف فى آخر أيامه أنه لم يورد اسم ماركس فيمن علموه متعمدا لكى لا يثور الحكام ضده.. ونواصل.