تظن أجهزة الأمن فى
الدول التى ترعى الإرهاب وتوفر لهم الغطاء بكافة صوره، أنهم مستثنون من ارتداد
ضربات التطرف إليهم، لا يفكر هؤلاء أنهم يجلبون على العالم كله الخراب، وأن جزءا
من هذا الخراب سيطال شعوبهم بالضرورة عاجلا أم آجلا.
هذه القاعدة تجاهلتها مرارا أجهزة الأمن البريطانية، وهى تؤوى
رؤوس الخراب والدمار فى عاصمتها لندن، تجاهلتها وهى تسمح لأعضاء الجماعة المحظورة
بممارسة أنشطتهم بمنتهى الحرية ودون رقابة، تجاهلتها وهى تسمح لهم بإمداد المخربين
فى دول العالم العربى المنكوبة بالمال والسلاح.
تجاهلت لندن أن جماعة الإخوان وهى الجماعة الأم التى أساستها قد
أخرجت من عباءتها كافة أشكال التطرف والإرهاب.
طالما نادت جمهورية مصر العربية هذه الدول بالتوقف عن دعم
المخربين القتلة، وسعت الدبلوماسية المصرية مرارا وتكرارا لتوضيح خطورة توفير
الغطاء لهذه الأموال الملوثة بدماء ملايين الأبرياء والمشردين عن أوطانهم التى
دمرتها هذه الجماعات.
لم تحسب أجهزة الأمن البريطانية يوما أن لعبة الأفكار المتطرفة
لعبة خطرة، وأنه لا يمكن حصارها، فسلاح الفكر المتطرف هو أكثر أسلحة العالم فتكا،
ودمارا، وستدور الدوائر ليوجه إلى من كانوا يحسبون أنهم يمسكون زمامه، وليس أدل
على ذلك من العمليات الثلاث الأخيرة التى تعرضت لها العاصمة البريطانية، فهى
عمليات لذئاب منفردة، تشظت وخرجت من عباءة التنظيمات المتهاوية التى ضعفت قبضتها
على مجاهديها.
فتحت دول الاتحاد الأوروبى أبوابها منذ التسعينات لتحتضن قيادات
جميع التنظيمات الإسلامية المتطرفة، بداية من الإخوان المتأسلمين وحتى تنظيم
القاعدة، كانوا يهربون إلى دول الاتحاد الأوربى ويطلبون اللجوء، ويعيشون تحت مظلة
الحريات المفتوحة هناك، يجمعون التبرعات، ويجندون الشباب، ويديرون منظماتهم، تحت
نظر وأعين حكومات أوروبا، ظنا من هذه الحكومات أن معركة هؤلاء ستظل على أراض بعيدة
عن القارة العجوز.
لم يكن يخطر ببالهم أن دولهم ستنكوى بنار الإرهاب، ولا أن
الأفكار المتطرفة للإرهابية ستجد طريقها لعقول شبابهم.
وكما تفتت تنظيم القاعدة بعد الغزو الأمريكى لأفغانستان، وتصفية
أغلب قياداته، خرجت عناصر التنظيم تنتشر فى كل دول أوروبا والمنطقة وتشكل خلايا
وتنظيمات أصغر، وتنقل معها ليس فقط الأفكار الجهادية المتطرفة، ولكن خبرات عملية
على أرض الواقع فى تنفيذ العمليات الإرهابية وحمل السلاح.
وفى اعتقادى أن درس أفغانستان ما زال غائبا عن دول كثيرة، ولم
تدرك هذه الدول التكلفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الضخمة التى تكبدتها
الولايات المتحدة الأمريكية بعد، فما زالت هذه الدول تقف أمام قرار دولى حاسم فى
مواجهة الإرهاب.
لقد ماطلت حكومات الاتحاد الأوروبى فى تلبية نداءات جمهورية مصر
العربية العديدة والمتكررة باستصدار قرار دولى باعتبار جماعة الإخوان المتأسلمين
جماعة إرهابية، وتجاهلت هذه الدول حقيقة أن هذه هى الجماعة الأم لكل التنظيمات
المتطرفة، وتجاهلت الدور الذى لعبه أعضاء الجماعة فى العديد من البلدان العربية.
ما زالت حكومات هذه الدول ترى أن القضاء على داعش سريعا قد يهدد
أمنهم، لأن القضاء على التنظيم سريعا سيدفع بعناصره المنتمية لدول الاتحاد الأوربى
للعودة إلى أوطانهم مرة أخرى، وأن هؤلاء لن يندمجوا فى المجتمع مرة أخرى، ويكونون
مواطنين صالحين بس سيسعون لتطبيق أفكارهم المتطرفة داخل أوروبا.
لذلك استمرت هذه حكومات الاتحاد الأوروبى وعلى رأسها الحكومة
الإنجليزية فى الإصرار على إطالة أمد الصراع فى المنطقة العربية، والحفاظ على
تنظيم داعش الذى تدعى هذه الدول أنها تحاربه لأطول فترة ممكنة، ليستمر نقطة جذب
للإرهابيين بعيدًا عنهم.
لكن من قال إن تلك التنظيمات الإرهابية الجبانة ستلتزم حدود أرض
المعركة التى حددتها هذه الدول بكل خبث.