مع قدوم شهر رمضان المبارك تثار كل عام قضية «تدنى الخطاب الإعلامى» بما لا يتناسب مع روحانيات هذا الشهر الكريم وتحديدا من خلال كم كبير من المسلسلات والبرامج التى تتبارى القنوات المتلفزة العربية فى عرضها، وكلنا يعلم أن الإعلام المرئى ضيف يدخل كل بيت بلا استئذان ويوجه رسائله للمتلقى بدون تدقيق أو تفرقة من ناحية الفئات العمرية أو الخلفية الثقافية أو التعليمية أو حتى من حيث نوعية المتلقى بشكل أصبح من الضرورى أن توجه البحوث الأكاديمية والتطبيقية اهتمامها نحو دراسة هذه القضية، لأنها أضحت متكررة حيث حدث ما يمكن تسميته اختلالا فى المعايير الجاذبة للمشاهدة على الأقل من قبل الجهات المعنية بقياس نسب المشاهدة وهى المسئولة عن حالة التنافس بين القنوات فى تقديم المواد الإعلامية المتسقة مع هذه المعايير التى تحقق رضا الوكالات الإعلانية بالدرجة الأولى، وهذا الأمر هو الذى أدى إلى حدوث تأثير سلبى انحدر بالذوق العام للجمهور الذى يمضى أمام الشاشة الصغيرة فترات زمنية تفوق ساعات عمله أو تعليمه أو حتى وقته المخصص للعبادة فى هذا الشهر.
ويمكن رصد ثمانية من الأسباب التى أدت إلى تفاقم الآثار السلبية لهذه الظاهرة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر:
أولا – غياب مواثيق الشرف الإعلامية التى من المفترض أنها دليل عمل الإعلامى فيما يتعلق بأخلاقيات المهنة والغياب هنا ليس معناه أنها لا توجد نصوص توضح القيم الأخلاقية لمهنة الإعلام بل على العكس هناك عدد كبير من المواثيق لكن غير مفعلة رغم أن بعضها كتب بحرفية ودقة ويتسم بالشمولية! حيث تظل مشكلة الالتزام بميثاق الشرف الإعلامى محل نقاش؛ لأن البعض يتصور أن الميثاق موجه نحو المؤسسة الإعلامية فى حين أن المعنى بكل المسودات الأخلاقية ومواثيق الشرف هو «الإعلامى أو الصحفى» ولا يمكن تفعيل أى ميثاق شرف بدون وجود آليات لضمان هذا التفعيل وفى مقدمتها إعداد الإعلامى وتدريبه على استيعاب وتطبيق الأمانة والدقة والموضوعية وإعلاء المصلحة العامة والتنوع والتوازن وغيرها من القيم التى تتحكم فى شكل ومضمون الرسالة الإعلامية، وأعتقد أنه بدون هذا التجهيز الأولى لن تستطيع أى مؤسسة إعلامية أن تجبر أبناءها على الالتزام بأخلاقيات المهنة، بعبارة أخرى لا بد من وجود ميثاق شرف ذاتى نابع من الإعلامى أو الصحفى نفسه قبل أن نفرض عليه ميثاق شرف عام.
ثانيا – سيطرة الفكر الإعلانى على المحتوى الإعلامى ليس فقط من قبل الوكالات الإعلانية إنما من قبل مالكى القنوات الفضائية بعد أن أصبحت صناعة الإعلام مكلفة بالقدر الذى يعجز أمامه عدد ليس قليلا منهم فى تأمين التمويل اللازم لاستمرار بث قنواتهم ودفع رواتب العاملين فيها، ولهذا من الطبيعى أن ينساق كثيرون مع ما يرغب فيه المعلن من حيث اختيار المادة الإعلامية والشخصيات الإعلامية التى تقدمها ولهذا ليس غريبا أن نجد مذيعا أو مقدم برامج بعينه هو الأكثر انتشارا حتى ولو كانت هناك تحفظات على أدائه المهنى ووجود تقصير فى تأهيله!
وغدا نكمل بقية أسباب تدني الخطاب الإعلامي الرمضاني.