الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الحضور القبطي المعاصر في الكنيسة والدولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
( 1 ) استدعاء التاريخ: 
الظهير التاريخي هو اللاعب الدائم في فهم مكونات المشهد القبطي المعاصر وتشابكاته، فلم يكن الأقباط يوماً بمعزل عن المشهد العام ويمكن بشيء من التدقيق أن نجمع الخيوط التي تكشف ما غمض بفعل القراءة الانتقائية للتاريخ والتي بدورها ليست بعيدة عن الكتابة الانتقائية لوقائع المشهد ذاته فى الأغلب إلا فيما ندر وعندما يكون الكاتب والراصد غير منتمٍ للسلطان أو الأغلبية السائدة، وغالباً ما تبقى تلك النوعية من الكتابات المحايدة والموضوعية بعيدة عن المجال الحيوي للترجمة والتعريب، لهذا يقع القارئ في مرمى نيران الرصد الانتقائي لحوادث ووقائع التاريخ، الأمر الذي دفع الأقباط لتدوين تاريخهم فى أدبياتهم حتى ليخال المتابع أننا أمام وطن موازٍ منفصل عن السياق العام، ونكون أمام محاولة قبطية لحماية ذاكرتها التاريخية الخاصة، تحتاج لمن يربط بينها وبين الذاكرة القومية، والربط بين الخاص (القبطي) والعام (المصري) عمل ثقافي وطني ملح قد يسهم في فهم معوقات الاندماج الوطني ويدفع في اتجاه تفكيك هذه المعوقات، وهو عمل علمي بحثي عله يجد من الباحثين من يتصدى له بعيداً عن الانطباعية وانحيازاتها، لنؤسس لمجتمع مدني حقيقي، وهو ما أشار إليه الباحث الأستاذ سمير مرقس فى تقديمه لكتاب " المصريون .. المسلمون والأقباط وإشكالية الكتابة التاريخية بين الموضوعية والتوظيف الديني / السياسي ـ جاك تاجر، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2010.) بقوله: "ليتخيل معي القارئ الكريم حال الأجيال القادمة عندما يصبح لكل مجموعة متماثلة، ذاكرتها التاريخية المختلفة عن الآخرين، ومن ثمَّ تتحول مصر إلى أكثر من "مصر"، إن العالم المتقدم يعني كثيراً بما يعرف بفلسفة التاريخ التي من شأنها أن تحفظ حداً أدنى من الاتفاق حول تاريخ الجماعة الوطنية. حيث توحد بين أبنائها من جهة، وتتيح أن يتشارك الجميع في رسم المستقبل من جهة أخرى"... ويعود الباحث ليؤكد: إن تبلور ذاكرات وطنية موازية لبعض دون تلاقي إنما تعكس تفتيتاً ناعماً للذاكرة الوطنية، حيث كل مكون من مكونات الجماعة الوطنية باتت له ذاكرة تاريخية خاصة به يظنها الأصح والأدق، وهو ما يؤدي إلى ما يصفه المفكر الفرنسي "برتران بادي" "التحلل تحت القومي"... ولا نعني بالذاكرة الوطنية الواحدة إلغاء الخصوصيات الثقافية الأولية، وإنما كيف يمكن أن يتم تضفير تاريخ مصر بكل غناه، فى ذاكرة تاريخية واحدة لكل المصريين تعكس سمات كل مرحلة والتواصل فيما بين هذه المراحل".

كانت الحقبة العثمانية فى مصر (1517 ـ 1805م.) هى الصورة المشرقية لعصور أوروبا الوسطى المظلمة، وفيها "وصلت مصر حسب ما يقوله جمال حمدان إلى الحضيض، وأصيبت مصر ضمن الشرق العربي بتصلب شرايين حضاري حاد، وانكفأت على وجهها فى بيات أو سبات شتوي لم يسبق له مثيل فى تاريخها، ويؤكد الدكتور وليم سليمان قلادة، هذا المعنى فى كتابه "المواطنة المصرية ـ حركة المحكومين نحو المساواة والمشاركة"، ويستطرد تحولت مصر تقريباً إلى شيء أشبه بأهل الكهف الذين لبثوا فى كهفهم ثلاثمائة سنة (كالفترة العثمانية تقريباً)، وكما استيقظ أهل الكهف ليجدوا أنفسهم في عالم غريب تماماً، استيقظت مصر من ثباتها الوسيط على طرقات الغزو الغربي".
ولم يكن العثمانيون يسعون لتحقيق أهداف حضارية أو دينية فى توسعهم الإحتلالي بل إلى جمع المال والثروة من مصر ونزحها لخزائن الباب العالي، ويرصد الدكتور وليم سليمان قلادة هذا في كتابه المشار إليه بقوله "وحملت المراكب التركية ما يزيد على حمل ألف جمل من أسلاب الذهب والفضة والتحف والسلاح والصيني والنحاس والخيول والبغال والجمال وبعض المدافع الكبيرة، فضلاً عن إجبار 1800 من المشايخ والعلماء والصناع والتجار والأعيان على الهجرة الى تركيا، بحسب رصد ابن إياس الذي يُعَقِب قائلاً أنه أبطلت خمسون صنعة وحصل بمصر الضرر الشامل ولم تعرف بلية مثلها من قبل"
استقدم الغزاة الجدد معهم روح الكراهية تجاه كل ما ومن هو غير عثماني، ومارسوا أبشع أنواع الاستهداف للمصريين عامة ولغير المسلمين خاصة، وفي مقدمتهم الأقباط، وصارت مصر ملزمة بدفع جزية سنوية للأستانةـ فرضت على كل المصريين ـ كانت تثقل كاهلهم مع تزايدها المطرد عاماً بعد عام.
ومازال للحديث بقية.