«الإعلام هو أكسجين الإرهاب».. مقولة شهيرة لرئيسة وزراء بريطانيا سابقا مارجريت تاتشر تجسدت أمامى عندما كنت أتابع تغطية إعلامنا المصرى للأحداث الإرهابية التى تعرضت لها البلاد مؤخرا، وهى تغطية لا تلتزم بالمهنية والأخلاقيات، بل تؤدى إلى أضرار ونتائج عكسية فى الداخل والخارج! فحادثة مقتل ٢٨ شهيدًا من أقباط مصر الأبرياء فى محافظة المنيا، على يد جماعة الإرهاب الخسيس يوم (الجمعة ٢٦ مايو)، لم تكن أمرًا هينًا يمر علينا مرور الكرام، أو حدثًا عابرًا مثله مثل أحداث أخرى شاهدناها منذ وقت قريب، مثل حادثة كنيستى طنطا والإسكندرية ومن قبلهما البطرسية.. وغيرها من الأحداث التى تستهدف ضرب الوحدة الوطنية واستقرار البلاد فى مقتل، بل هو أمر جلل وحدث لا ينبغى التغاضى عنه أو التهوين منه باعتباره حدثًا إرهابيًا والسلام، بل ينبغى مواجهته بالقوة وضرب معاقل الإرهاب ومراكز تدريبهم فى الداخل والخارج مثلما أكد الرئيس السيسى فى خطابه للأمة عقب هذه الأحداث، وقد حظيت الضربات القوية والمركزة للقوات الجوية المصرية لمعاقل الإرهاب بمدينة «درنة» بتأييد تام، بل وإدانة للحوادث الإرهابية التى تستهدف ضرب الوحدة الوطنية وزعزعة وتقويض أمن واستقرار البلاد.
كما أن الإدراك الواضح لأهمية الإعلام وخطورة رسالته التوعوية يمثل حجر زواية فى الاستراتيجية العامة للدول، خاصة فى وقت الأزمات والتوترات الدولية والإعلام، فى إطار ما يواجه مصر من حرب ضد الإرهاب، هو العنصر الرئيسى فى هذه المواجهة معه، وللأسف الشديد فإننا فى مصر نرى حالة من الفوضى الإعلامية فى التعامل مع قضية الإرهاب والتطرف واستراتيجية مواجهة داعش، فلا تزال التغطية الإعلامية تتسم بالتسرع وعدم الدقة مما تسبب لنا فى أزمات دولية، ربما لا يدركها بعض الإعلاميين، ناهيك عن عدم التنسيق والتعاون الكامل بين الصحفيين والإعلاميين والأجهزة الأمنية فى أحيان كثيرة من حيث مراعاة الأمن القومى قبل السبق الصحفى والمكسب الشخصى والمهنى، لا سيما أن الإرهاب ربما يستغل الإعلام بشكل عكسى لصالحه، وهو ما حدث فى حالة جماعة «داعش» التى حولها الإعلام إلى فزاعة وأداة ترهيبية لمن يخالف منطقهم الإرهابى بنشر وإذاعة مشاهد الذبح والقتل التى تقوم بها ضد المدنيين الأبرياء، وربما يسهم الإعلام فى تحويل الإرهابيين إلى نجوم لامعة، ولكن حقيقة الأمر أن الإرهاب يسعى إلى الظهور فى مظهر القوى المؤثر حتى وهو فى أضعف حالاته ربما مكن الإعلام خطط الإرهاب دون أن يدرى، وربما أسقط الروح العامة والمعنويات، وربما أسهم بشكل كبير فى وضع المجتمع بأكمله فى حالة حزن شديدة وحداد دائم، مثلما تفعل قناة «الجزيرة» القطرية من محاولات ترويجية للإرهاب ولتنظيم داعش، بنشر بياناتهم وفيديوهاتهم وأحداث القتل وصور المذابح المفبركة أحيانًا، وللأسف قام إعلامنا المصرى بعرض فيديوهات داعش الإرهابية وروج لها دون قصد، واستغلت داعش الإعلام العالمى والعربى فى الحصول على «بروباجندا» فى المجتمعات العربية، وتصويرها على أنها الخطر القادم ربما عبر قنوات إعلامية محددة وصحف وكتاب بعينهم فى مصر والمنطقة مقابل إغراءات المال لهؤلاء.
ربما كان الهدف الأساسى من العمليات الإرهابية هو آثارها النفسية والسياسية، لذلك يعتقد الإرهابيون أنهم يخوضون حربًا نفسية بكل معنى الكلمة، ومن ذلك يصبح الهدف الرئيسى للعملية الإرهابية الوصول إلى الجماهير الواسعة بأسرع وقت ممكن، وبأكثف تدفق ممكن، وهذا لن يتحقق دون إعلام واسع الانتشار، وذلك من أجل إيصال رسائل تتضمن أفكار الإرهابيين!
كما أن ثمة سلبيات تنطوى عليها عملية توظيف الجماعات الإرهابية للأجهزة الإعلامية على اختلافها، مثل الترويج للخطاب الإرهابى على نحو يؤدى إلى تحفيز فئات اجتماعية مسحوقة، أو جماعات عرقية وقومية ومذهبية مهمشة، إلى سلوك سبيل الخيار الإرهابى العنيف للإعلام عن مطالبها الحقوقية، وقد تؤدى بعض التغطيات الإعلامية عن العمليات وتضارب المعلومات والأخبار والقصص حولها إلى بث بعض من البلبلة والغموض، مما قد يؤدى إلى هروب بعض الفاعلين، أو عدم القدرة على تحديد الجهات القائمة بالعمل الإرهابى، وربما تؤدى بعض التغطيات الإعلامية محدودة المستوى والكفاءة المهنية إلى خلق تعاطف بعض الجمهور مع الإرهابى. ومن ناحية أخرى، قد يشكل الإعلام فى بعض الأحيان دور الوسيط بين القائم بالإرهاب، والمستهدف سياسيًا بالعملية الإرهابية!