موجة تضامن عاصفة اجتاحت الأوساط الثقافية العربية مع الروائي الجزائري رشيد بوجدرة إثر موقف تعرض له خلال استضافته في إحدى برامج الكاميرات الخفية التي تبث عبر شاشة قناة النهار الجزائرية، حيث اقتحم عدد من منتحلين شخصية رجال أمن جزائريين الاستديو وهددوا بوجدرة أن ينطق الشهادتين ويعلن إسلامه بعد أن اتهموه أنه ملحد ومتخابر مع دول أجنبية؛ ما أثار غضب الكاتب وجعله يهرب من الاستديو بعد نطق الشهادتين.
"ما حدث لأبو جدرة إرهاب حقيقي" هذا ملخص حملات التضامن القوية على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي قادها عدد كبار من الأدباء والمثقفين العرب والمصريين كان على رأسهم واسيني الأعرج.
بوجدرة البالغ من العمر 76 عامًا روائي شاهد على كبريات التحوّلات التي عرفتها الجزائر بعد الاستقلال وكاتب عاشر ﺃهم ﺃسماء جيل المؤسسين للأدب الجزائري أمثال كاتب ياسين، ومحمد ديب، كما أنّه واحد من الرّوائيين القلائل الذين رفضوا التّخندق في اللّغة الفرنسية، وظلّ يزاوج بينها وبين العربية.
فبعد مجموعة شعرية ﺃولى بعنوان "لنغلق ﺃبواب الحلم" كتبها عام 1965، ﺃصدر عددًا من الرّوايات، التي حاولت كسر تابوهات اجتماعية وسياسية وتاريخية، وضعت صاحبها على واجهة المشهد الرّوائي الفرانكفوني ﺇجمالا، مثل "التّطليق" التي كتبها عام 1969 و"الحلزون العنيد" التي كتبها عام 1977، وﺃلف عام وعام من الحنين" التي كتبها عام 1979، وحاكى فيها الواقعية السّحرية الأميركو لاتينية، و"توبوغرافيا مثالية لاعتداء موصوف" التي كتبها عام 1986، ﺃما ﺁخر رواية له فحملت عنوان "الرّبيع" وكانت عام 2014.
تلقى روايات بوجدرة انتشارًا واقبالًا واسعًا في الجزائر، ففي العام 1986، ﺃصدر رواية "التّفكك" بالعربية وﺃثار حساسية الرّوائي الكبير الطاهر وطار الذي خاصمه ﺇلى آخر يوم من حياته ورفض بوجدرة حضور جنازته.
ويردد البعض أن خصوم صاحب "فوضى الأشياء" رشيد بوجدرة كثيرون، منهم المخرج محمد لخضر حمينة، الذي نفى مشاركة بوجدرة في كتابة سيناريو "وقائع سنين الجمر"، والرّوائي ياسمينة خضرا، والذي جرّده بوجدره من صفة الكاتب ولم يعترف بنجاحاته.
ظل رشيد بوجدرة طيلة الأربعين سنة الماضية، حاضرًا وفاعلًا في الحياة اليومية، خصوصا على الصعيد السياسي، فسنوات التسعينيات، بينما كانت الجماعات الإسلامية تستهدف المثقفين والصحافيين، فضل الرّوائي نفسه الانسحاب ﺇلى الصحراء، والعيش في مدينة تيميمون الجنوبية، بدل الهروب ﺇلى الخارج كما فعل الكثيرون، ولم يغفر الروائي، حتى الآن للجماعات الإسلامية المسلحة خطيئتها بزج البلد في حرب دموية.
كما إن روحه الاندفاعية ويساريته وتمسكه بقناعاته الشيوعية، عكر صفو علاقته باللوبيات الثقافية الباريسية، وبعدما كان الاسم الأبرز بين كتاب الجيل الثاني من الكُتّاب المغاربة في فرنسا، مطلع الثمانينات، بدأت شعبيته في التّراجع شيئا فشيئا، وبلغت أدنى مستوياتها نهاية التسعينيات، وازدات حدة التعتيم عليه بعد مقاطعته معرض باريس الدّولي للكتاب 2008، بسبب استضافة المعرض نفسه لإسرائيل كضيف شرف، وهو المعروف عليه دفاعه عن القضية الفلسطينية، موقف عبر عليه في كتاب "يوميات فلسطينية" الذي كتبه عام 1972.
أسهم بوجدرة في هدم كثير من التابوهات، خصوصا منها الاجتماعية والسّياسية في جزائر ما بعد الاستقلال، وحاول الحفاظ على مسافة بينه وبين السلطة، لكنه لم ينجح تماما في مسعاه، وهو يعيش اليوم شبه عزلة في الداخل، مشتتا بين الجزائر والمغرب.