يبدأ اليوم الشهر الكريم.. ذلك الشهر الذى قال عنه الله فى كتابه العزيز: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (١٨٥) سورة البقرة.
ورغم أن الشهر هو شهر عبادة وطاعة وعمل وتكافل، لكن شعبنا الجميل حوّله إلى شهر هرى ومسلسلات، وأكل وشرب وعزومات، وتظاهر كاذب بالتقوى، والحرص على صلاة التراويح، لتبدأ بعدها أية مسخرة، ويمارس الفاسدون فسادهم والمسئولين كذبهم، ويتوقف أى عمل أو إنتاج بحجة الصيام.
يأتى الشهر الكريم هذا العام ومصر تعيش موجة غلاء لم تشهدها من ٣٠ عامًا.
ارتفع معدل التضخم السنوى فى مصر إلى مستوى قياسى جديد، عند ٣١.٧ فى المئة، وذلك وفق بيان لجهاز التعبئة العامة والإحصاء.
ويأتى هذا الارتفاع مع ارتفاع مستوى التضخم الحضري، ليصل إلى ٣٠.٢ فى المئة فى شهر فبراير، وهو أكبر ارتفاع منذ نوفمبر ١٩٨٦، إذ وصل التضخم الحضرى آنذاك إلى ٣٠.٦ فى المئة، حسب وكالة رويترز.
ويقيس مؤشر التضخم أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية اليومية على أساس سنوي، أى بمقارنتها بالأسعار التى سجلتها خلال الشهر نفسه من العام السابق.
وكشف البيان عن ارتفاع أسعار الغذاء والمشروبات بنسبة ٤١.٧ فى المئة على أساس سنوي، مقارنة بشهر فبراير/من عام ٢٠١٦.
ورغم ذلك من المتوقع أن يشهد استهلاك المصريين أعلى بكثير من العام الماضى؛ حيث استهلك المصريون ٢.٧ مليار رغيف، و١٠ آلاف طن فول، و٤٠ مليون دجاجة، وذلك فى الأسبوع الأول فقط من رمضان.
وكشفت شعبة البقالة بالاتحاد العام للغرف التجارية، عن أن هناك زيادة فى معدلات الاستهلاك بنسبة ٣٠٪ عن متوسط الاستهلاك اليومى خارج شهر رمضان.
وفى العام الماضى قالت جريدة «الفجر»: على الرغم من التأكيد دينيًا أن الإسراف والتبذير يعدان من أسوأ العادات التى لا بد أن يتجنبها الناس خاصة، وفى شهر رمضان عامة، إلا أن هذه العادة لا تزال مستمرة على وجه الخصوص مع المصريين فبرغم ارتفاعات الأسعار التى تشهدها جميع السلع، فإنه لا يزال هناك طلب شديد على جميع أنواع السلع والأطعمة، وعليه فقد كشفت الأرقام والإحصائيات، أن المصريين ينفقون فى شهر رمضان ما يقرب من ٣٠ مليار جنيه ما يعادل ١٥ ٪ من حجم إنفاقهم السنوى.
وفى دراسة عن رمضان ٢٠١٦، أكدت أن الزيادة وصلت إلى ١٠٠٪ فى أسعار بعض السلع.. واستهلاك ١٦٠ مليون دجاجة خلال الشهر الكريم.
على الرغم من أن قيمة ما ينفقه المصريون على بند الغذاء خلال عام كامل يبلغ نحو ٢٠٠ مليار جنيه؛ فإن البند نفسه يبلغ خلال شهر رمضان نحو ١.٥ مليار جنيه يوميا، بحسب الدراسات الإحصائية للمركز المصرى للتعبئة والإحصاء.
وإن المصريين يستهلكون خلال الشهر الكريم، نحو ١٦٠ مليون دجاجة، و٤٠ ألف طن فول، و١١ مليار جنيه عيش بمتوسط يومى ٢٥٠ مليون رغيف، بينما يُلقى ٤٠٪ من غذاء المصريين فى القمامة، خاصة النشويات والحلويات وبقايا الفراخ واللحوم، وتصل النسبة إلى ٧٥٪ فى حفلات الإفطار والموائد، وهى كارثة فى بلد يعانى ٤٠٪ من شعبه ضغوط ارتفاع الأسعار والفقر وشظف الحياة، بينما يعانى من ٣ إلى ٥ ملايين مصرى نقص الغذاء والشراب يوميا، خاصة فى صعيد مصر... بحسب ما أشارت جريدة «الشروق».
وعلى صعيد الهرى وبالرغم من الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار فى مصر بعد تعويم الجنيه، فإن إنتاج المسلسلات المصرية استمر بمعدل العام الماضى نفسه وربما المزيد، إذ يدخل سباق مسلسلات رمضان ٢٠١٧ أكثر من ٥٠ مسلسلا هذا العام، ويصل مجموع ميزانية مسلسلات رمضان إلى أكثر من ٢ مليار جنيه.
واستمر النجم الكبير عادل إمام فى تصدر دراما مسلسلات رمضان فى مصر والوطن العربى؛ حيث سيتم عرض مسلسل «عفاريت عدلى علام» على قناة «أم بى سى مصر» فى شهر رمضان ٢٠١٧؛ حيث يعد المسلسل هو أعلى المسلسلات من حيث التكلفة الإنتاجية فى رمضان لهذا العام، خاصة بعدما وصل أجر الفنان عادل إمام إلى ٤٥ مليون جنيه، كما وصلت التكلفة الإنتاجية لمسلسل عادل إمام إلى ١٢٠ مليون جنيه.
أما هرى الإعلانات فلا يتوافر إلا رقم واحد من العام قبل الماضى لحجم الإعلانات على الفضائيات بنحو ٥٠٠ مليون جنيه، والتى متوقع أن يتضاعف مرات عدة.
وتأتى فتاوى المشايخ التى تجد كل الرواج فى الشهر الكريم، وسنستمع مرة أخرى إلى كلام مكرر على كل السنوات الماضية، حول مفطرات الصيام ومفسدات الصيام وهل المباشرة والإنزال والاستمناء مفطرات للصائم والمداعبة فى رمضان، وما حكم مداعبة المرأة لذكر زوجها فى نهار رمضان، والحكم الشرعى للجماع فى رمضان، وحكم تقبيل الزوجة من الفم فى نهار رمضان.
وفتاوى رمضانية للمتزوجين، وفتاوى حول العـادة السرية، وفتاوى نسائية رمضانية، وفتاوى للصغار فى رمضان، ومسائل فى تتبع القراءات الحسنة فى التراويح، ومسائل فى عدد ركعات التراويح. وفى الترويج ستجد الشوارع المغلقة والميكروفونات المفتوحة على البحرى وستجد كل المفسدين والفاسدين والمحتكرين للسلع والخدمات، وستجد كل المسئولين، وفى الصباح إن لم يكن بعد الصلاة مباشرة يعود كل إلى ممارسة الغش والكذب ومص دم الشعب المصرى.
ونأتى إلى مسك الختام؛ حيث يتوقف الموظف المصرى عن طول الشهر الكريم، وتوضح الأستاذة منى القصاص، مدرب إدارة أعمال وتنمية بشرية، أن الموظف المصرى فاقد لأدنى معانى التركيز، والجد فى العمل، مشيرة إلى أن ٥٠٪ من ساعات عمله تُهدر فى تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، والحديث مع أصدقاء العمل، فضلاً عن قضاء الاحتياجات الشخصية والمنزلية داخل مقر العمل، علاوة على أن منظومة العمل ينقصها الجزء الأهم بها وهو الرقابة وتفعيل طريقة العقاب والثواب على أسس وضوابط محددة.