الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حضر الورثة.. وغابت التركة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

المشهد خرج إلى دائرة اللامعقول، كلٌّ متمترس خلف أيديولوجيته وطرحه، وطن يحترق وكل الأطراف يستغرقهم التنظير والثرثرة، وقودهم الشباب الذي جاء بهم تحت الأضواء وأمام الكاميرات وفي صدارة المؤتمرات، والشباب وحده يدفع حياته ثمنًا لمعارك هؤلاء وأولئك، ثم تترجم دماؤهم إلى دولارات تحوّل لحسابات يتم تحويلها إلى العملة المحلية بصفقات مريبة، بعيدًا عن منظومة البنوك أو مكاتب الصرافة، في غفلة من الأجهزة الرقابية.
هل ثمة رابط بين الكلام عن طلب تسليح شباب الإخوان، والحملة الشعواء على ضباط وأفراد الأمن، وظهور نفر منهم يطلب تقنين إطلاق رجال الشرطة للحاهم، والكلام عن مشروع قانون لتكوين شركات أمن وحراسات خاصة “,”لتخفيف العبء عن كاهل الداخلية“,” والتي يقرأها البعض على أنها خصخصة للأمن، ويراها غيرهم إرهاصات تأسيس الميليشيات المسلحة؟
هل هناك رابط بين فتح النيران على أداء حكومة الدكتور هشام قنديل وبين القرار الجمهوري برد اعتبار السيد خيرت الشاطر، ومطاردة رجال الأعمال وتشويه سمعتهم ودفعهم لبيع استثماراتهم أو تصفيتها، بعد أن تحولوا إلى متهمين تنتظرهم أوامر الضبط في المطارات والموانئ، ووجدت أسماؤهم محلاًّ لها في قوائم ترقب الوصول فيها، في إعادة إنتاج لما كان يتردد عن رموز النظام السابق حتى قمة السلطة، ولا يعبأ أحد بمساهمة ذلك في تأكيد انهيار الاقتصاد وهروب المستثمرين؟
ألا يذكرنا ما يحدث بما سبق وكتبه المحلل السياسي صمويل هنتنجتون في كتابه المثير “,”صدام الحضارات“,”؟ ولم يلتفت كثيرون إلى عنوانه الفرعي على غلاف الكتاب “,”إعادة صنع النظام العالمي“,”، وقد استغرقتنا هوجة الدفاع عن الأصالة والعراقة ووحدة الوطن وسمو الدين على الصراع، واستخرجنا من تراثنا ما يؤكد هذا، بينما تولى الواقع تأكيد ما ذهب إليه هنتنجتون، المتجاوز لسطح المعالجات الهشة لتبرير التمييز الديني الفج في غفلة عن الأيادي التي تحرك الخيوط بعيدًا عن خشبة المسرح، بإمكانات استخباراتية عابرة للقارات، اكتوت في بلادها بنيران التطرف وتسعى لإعادة تصدير كوادره ورموزه وردها إلى منابعها التي خرجت منها.
قد يكون من المفيد إعادة قراءة تحليل طرح صدام الحضارات؛ فقد يضع أيدينا على مفاتيح ما حدث بدول “,”الربيع“,” مدلولات لحظات الانفجار والتطورات المباغتة وتصاعد قوى الإسلام السياسي، وكان المتصور -وفق رؤية مبرمجي إعادة رسم خريطة المنطقة- أن تشهد دول الربيع عودة جحافل مؤرقي الغرب إلى أرض الميعاد الجديدة وقد صارت لهم، وهو ما لم يحدث.
الرابط بيننا وبين هذه الأجهزة عدم التعلم من خبرات الماضي، صنعوا الخميني بعد أن انتهت صلاحية الشاه، وحضَّروا الأرض لعودته فارسًا لإيران؛ فانقلب عليهم ووصمهم بالشيطان الأكبر والأعظم. خلقوا القاعدة، وصنعوا أسامة بن لادن ودعموا كليهما مباشرة، ومن خلال أنظمة المنطقة الحاكمة –السابقة- التي جندت متطوعيها، وودعتهم كأبطال في المطارات لمحاصرة وإسقاط التنين الأحمر عبر أفغانستان. سقط الاتحاد السوفيتي، وانقلبت القاعدة على صانعيها، وروعتهم وروّعتنا، وعندما استنفدت القوة الدولية الأحادية أغراضها من نفس الأنظمة الحاكمة رتبت للانقلاب عليها في لحظة تاريخية كانت شعوبها قد وصلت إلى لحظة الانفجار. بينما ظلت لسنوات طويلة قبلاً تُصم آذانها عن القمع والاستبداد رغم صراخ الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني وتقارير المتابعة الدبلوماسية وعيون الأجهزة، فهل ننتظر صدامًا مرتقبًا مع أنظمة الربيع الوافدة على غرار سوابق إيران وأفغانستان؟
نحن أمام مقدمات تقول بأن الأسوأ لم يأت بعد، رغم نمطية الأداء حكمًا ومعارضة، ببرود وثقة تصل للغرور، واللافت أن الكل يتحدث عن سقوط النظام، وربما يدفع في اتجاهه بغير ان ينتبه إلى صراع جديد بصدد الاستيلاء على المشهد بين من يُحضّرون لاستخراج إعلام وراثة.. فبينما تعتبر جبهة الإنقاذ نفسها الوريث الوحيد، هناك أجنحة أخرى ترى نفسها الوريث “,”الشرعي“,”، أخشى أن تسفر صراعات الورثة المحتملين عن ضياع التركة، أرضًا واقتصادًا وتاريخًا.. وهناك من سيضحك في كُمه -خلف المحيط وخلف الصحراء- بعد أن باع لهم الترام!