إن قَدَرَ مصر أن تكون كبيرة على الدوام، حتى فى أصعب الظروف والأوقات كانت مصر تجمع شتاتها لتدافع عن العروبة والإسلام بل وعن العالم أجمع؛ فقد خاضت مصر طوال تاريخها حروبًا مستعرة ضد الهكسوس والتتار والمغول والصليبيين، وشاءت إرادة الله وعزيمة المصريين ورشادة القيادة أن تنتصر مصر فى هذه الحروب جميعها.
وفى السنوات الأخيرة أُحيط بمصر من كل اتجاه من القريب والبعيد.. من العدو والصديق.. من الذين يتكلمون بلسان عربى مبين، ومن الذين تتلوى ألسنتهم بلغاتٍ شتى.. من الذين تم حشدهم من كل بقاع الأرض على أرض سيناء الغالية واستطاعوا أن يتسللوا إلى وادينا الأخضر.. يريدون حرق الأخضر واليابس فيه، ولكن شاءت إرادة الله أن تتوحد مصر جيشًا وشعبًا وشرطة فى مواجهة محاولات النيل من مصر.
كم شعرت بالفخر والتباهى كمصرى بالرئيس عبدالفتاح السيسى وهو يُلقى خطابًا رصينًا قويًا معبرًا عن مصر وشعبها، خطابًا مجلجلًا من رئيس بحجم وطن كبير وحضارة عريقة كمصرنا الغالية، لقد شعرت ومعى ملايين المصريين بل وعشرات الملايين من العرب بالعزة الوطنية والقومية التى تعكسها كلمات الرئيس ورؤيته فى مكافحة الإرهاب.
نعم لقد آن الأوان أن نعلم العالم التجربة المصرية فى مكافحة الإرهاب.. لقد آن الأوان أن تضع مصر للمنطقة العربية والعالم استراتيجية فاعلة لمكافحة الإرهاب، وهى الاستراتيجية الناتجة من واقع خبرتها العميقة بظاهرة الإرهاب بجوانبها كافة. آن الأوان أن تضع مصر العالم أجمع أمام مسئولياته فى مكافحة الإرهاب بعيدًا عن الكلمات الجوفاء فى اللقاءات الخاوية التى لا تكافح الإرهاب سوى بالكلمات الخالية من أى فعل أو تحرك.
لقد كان استهلال الرئيس السيسى فى خطابه أروع ما يكون الاستهلال؛ حيث نقل لعاهل السعودية والرئيس الأمريكى تحية من مصر بمسلميها وأقباطها وحضارتها وأرضها كملتقى لكل الأديان وإسهاماتها فى التاريخ الإنسانى. وهذا الاستهلال وحده صدر صورة مصر الواحدة التى لا تنفصم عُراها رغم الأنواء العاتية، مصر السبيكة الواحدة التى انصهر فيها الجميع، مصر الرائدة والكبيرة فى كل الأوقات والأزمان.
مصر التى تمد يدها للجميع من أجل تجديد الشراكة مع العرب والمسلمين وكل الدول فى بقاع الأرض كافة، من أجل الوسطية والاعتدال ومكافحة التطرف والإرهاب. كان هذا الاستهلال الرائع مركزًا ويدخل مباشرة فى لُب الموضوع دون لف أو دوران، ويعكس قمة البلاغة فى بناء الجمل لتعكس معاني مستهدفة ومقصودة.
وحرص الرئيس السيسى أن يطرح على القمة العربية الإسلامية الأمريكية استراتيجية فاعلة لمواجهة خطر الإرهاب واستئصاله من جذوره، إستراتيجية تقوم أساسًا على التجربة المصرية المتفردة فى مكافحة الإرهاب ليس فقط بالإجراءات الأمنية والعسكرية، بل بتبنى إجراءات سياسية وفكرية وتنموية، وهى استراتيجية شمولية متعددة المجالات لتتعامل مع كل مفردات البيئة الحاضنة للإرهاب والتى يترعرع فيها الإرهابيون الجدد.
وتتحدد الاستراتيجية التى طرحها الرئيس فى أربع نقاط مهمة تتمثل باختصار فى ضرورة مواجهة الإرهاب بجميع تنظيماته وفصائله، ومواجهة مختلف أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل والتسليح والدعم السياسى والأيديولوجى، والقضاء على قدرة التنظيمات الإرهابية على تجنيد مقاتلين جدد من خلال مواجهة الإرهاب بشكل شامل على المستويين الأيديولوجى والفكرى، وملء الفراغ الذى ينمو وينتشر فيه الإرهاب من خلال استعادة وتعزيز وحدة واستقلال وكفاءة مؤسسات الدولة الوطنية فى العالم العربى، بما فى ذلك تلبية تطلعات وإرادة الشعوب نحو النهوض بالدولة، من خلال تكريس مسيرة الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى، والوفاء بمعايير الحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان، وترسيخ مفاهيم دولة القانون والمواطنة واحترام المرأة وتمكين الشباب. إن هذه الاستراتيجية كفيلة بالقضاء على الإرهاب ليس فى مصر وحدها أو فى المنطقة العربية بل فى العالم أجمع.
لقد تحدث الرئيس السيسى ـ كما ذكرت وسائل الإعلام العالمية ووكالات الأنباء ـ خارج السرب، لم يكن خطابه توافقيًا متماهيًا مع كلمات قادة القمة، بل كان صريحًا حيث يجب أن تكون الصراحة، وكان صلبًا فى الحديث عن قضية ينبغى أن تُوَاجه بصلابة، وإذا كان شعار القمة «العزم يجمعنا»، فليجمعنا بقوة لكى نواجه ما يجب علينا أن نواجهه من دول تؤوى الإرهاب، وتمول الإرهابيين وتقوم بتدريبهم وإمدادهم بالمؤن والسلاح بل وتفتح المستشفيات لعلاج الإرهابيين الذين يسقطون مسربلين فى دماء إرهابهم اللعين، وتتيح لهم منصات إعلامية تسعى لبث الفُرقة والفتنة فى الدول العربية من خلال الفصائل التى توجه إليها رسائلها لكى تغذيهم بالمنطلقات الفكرية لإرهابهم الأسود، حتى أن بعض الدول ترفض تبادل المعلومات الاستخباراتية عن الإرهابيين الأجانب الذين يأتون من كل حدب وصوب، لكى يحولوا منطقتنا ودولنا إلى ما يشبه الجحيم، وعمد الرئيس إلى القول إن كل مَن يقوم بذلك هو شريك أصيل فى الإرهاب.
لقد وضع الرئيس عبدالفتاح السيسى الجميع دولًا وشعوبًا وقادة وحكومات أمام مسئولياتهم، وعليهم أن يقوموا بأدوار فاعلة فى الاستراتيجية التى طرحها على القمة، وفى اعتقادى أن معظم أوراق «اللعبة» التى أوقعتنا جميعًا فى ساحة الإرهاب المفتوحة فى المنطقة فى يد الولايات المتحدة الأمريكية، وفى يد الرئيس دونالد ترامب الذى اتهم صراحة سلفه باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلارى كلينتون بصناعة داعش وعدم محاربتها كما ينبغى.
الآن جاء الدور على الرئيس الأمريكى لينفذ وعوده الانتخابية وتعهداته أمام القمة بمكافحة الإرهاب، وأعتقد أن للرئيس الأمريكى تأثيرًا كبيرًا على قطر وتركيا كأهم دولتيْن داعمتيْن للإرهاب فى المنطقة، حتى يكفا أيديهما عن مساعدة الإرهابيين وتجنيدهم وتوفير التدريب والتمويل والملاذ الآمن لهم. وفى اعتقادى أن هاتيْن الدولتيْن فى وضعٍ غاية فى الحرج بعد هذه القمة بعد رسائل الرئيس السيسى الموجعة لهما، وكيفية مواجهة العالم بعد أن تم وصمهما بشكلٍ مبطن بالملاذات الآمنة للإرهابيين.
لا شئ يمر دون حساب، وقد جاء فى النهاية وقت الحساب، وأعتقد أن المستقبل القريب سيشهد تغيرات فى مواقف دولٍ كثيرة من الإرهاب، فلن تصمد المواقف المتميعة الحالية بعد هذه القمة المهمة التى كان هدفها الأول مكافحة الإرهاب، وكان الأهم فيها كلمة الرئيس السيسى التى قضّت مضاجع الإرهابيين فى كل مكان على خريطة العالم.