لم يترك جورج بوش دولة عربية أو إسلامية إلا وحاول تخريبها؛ ففى الصومال الدولة العربية المسلمة وشعبها البسيط الطيب لم يتركها فى حالها بل استمر فى إشعال الفتن وإذكائها بين القوى السياسية والقبائل والعشائر لينهى عليها فتستمر فى صراعات دموية وقبلية غير مسبوقة أنهت على الأمن والاستقرار بالكامل وأصبحت الصومال بؤرة من بؤر الإرهاب وخرج من بين أبنائها المسالمين الطيبين القراصنة، تعبيرًا عن مدى الظلم والقهر الذى عانى منه الصوماليون.
قام القراصنة الصوماليون بخطف السفن والعبارات وناقلات البترول العملاقة وفرضوا الإتاوات وأصبحت التجارة العالمية فى خطر مما أثر على حجمها وحركتها.
وقد أوعز بوش لإثيوبيا الدولة المسيحية الحدودية أن تدخل الصومال الدولة المسلمة وكانت كونداليزا رايس مهندسة النكبات والصراعات السياسية وصاحبة نظرية الثورة الخلاقة فى الوطن العربى وراء هذا العمل الإجرامى، فاشتعل القتال والصراع الدينى البغيض فى كل أرجاء الصومال ليحصد أرواح الأبرياء ويدمر الأخضر واليابس ويحرق كل شىء.
ووصل الصومال آنذاك إلى الحد الذى حذرت فيه وكالة أوكسفام للإغاثة من أن مئات الآلاف من اللاجئين الصوماليين فى شمال شرق كينيا يواجهون أزمة إقامة حادة عام ٢٠٠٩ مع بدء انتشار الأمراض فى المخيمات المكتظة والموت جوعًا، ويذكر أن أكثر من ٢٥٠ ألف شخص كانوا يقيمون فى ثلاثة مخيمات مترامية الأطراف فى بلدة داداب.
وقالت أوكسفام إنه من المتوقع أن يصل داداب مائة ألف لاجئ آخرين قبل نهاية العام فرارا من القتال فى الصومال.
وأوضحت أوكسفام أن زيارات تفقدية إلى المخيمات الثلاثة كشفت عن أزمة خطيرة فى الصحة العامة ناتجة عن نقص الخدمات الأساسية والازدحام الشديد ونقص حاد فى التمويل والمياه وأضافت أن الأمراض بما فى ذلك الكوليرا انتشرت فى مخيمات اللاجئين ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة حيث تم تأكيد أكثر من ٢٠٠ حالة إصابة بالكوليرا.
وقالت فليبيا كزوميلاند تيلور رئيسة فرع أوكسفام فى كينيا إن الأوضاع فى داداب مرعبة وتحتاج إلى اهتمام فورى حيث يعيش اللاجئون فى أكواخ مصنوعة من فروع الأشجار وأغطية بلاستيكية فى واحد من أكبر مخيمات اللاجئين فى العالم.
وقالت أوكسفام إن نصف الناس هناك لا يتاح لهم قدر كاف من المياه والصرف الصحى ويقول موظفو الإغاثة إن الوضع الإنسانى فى الصومال هو الأسوأ فى العالم.
ويذكر أن القتال هناك تسبب فى مقتل أكثر من مائة وسبعة وعشرين ألف مدنى منذ بداية عام ٢٠٠٧ وفرار أكثر من مليون شخص من منازلهم بينما يحتاج نحو ثلث السكان أو أكثر من ثلاثة ملايين شخص معونات إنسانية طارئة.
كما أغلقت كينيا حدودها الصحراوية الطويلة التى تعج بالثغرات مع الصومال بعد هزيمة ميليشيات المحاكم الإسلامية فى يناير عام ٢٠٠٧ لكن أوكسفام قالت إن إغلاق الحدود فشل فى وقف تدفق متزايد للناس الذين يحاولون الفرار من القتال الدموى مع تشديد ميليشيات الشباب قبضتها على قطاعات واسعة فى وسط وجنوب الصومال. ويرى المراقبون أن ميليشيا الشباب هى حجر عثرة رئيسية أمام حكومة الصومال الجديد التى تشكلت برئاسة شيخ شريف أحمد الذى حاول استعادة السلام والاستقرار بعد ثمانية عشر عامًا من الحرب الأهلية، وعلى صعيد آخر تغادر سفينة الأدميرال باستيليف الحربية الروسية قاعدتها فى الشرق الأقصى متوجهة إلى خليج عدن لتشارك فى قوة دولية لتأمين الملاحة ومواجهة القرصنة هناك ترافقها سفينة مساندة وناقلتان للوقود.
وفى تطور غير مسبوق قرر حلف شمال الأطلسى (الناتو) إرسال سبع من بوارجه الحربية إلى القطاع الجنوبى الغربى من بحر العرب، بهدف تأمين الملاحة فى المنطقة وضمان المحافظة على إمدادات الطاقة، وبخطوته هذه استجاب لدعوة أمريكية للحلف المساهمة فى حفظ الأمن فى الخليج وبحر العرب، معتبرًا ذلك جزءا من جهود احتواء الخطر الذى يحيق بالمصالح الأمريكية بصفة خاصة وباقى أعضاء الحلف بصفة عامة.
ووجدنا بوارج الناتو السبع تأتى ليس من أجل ذريعة وقف نزاع مسلح أو المحافظة على الاستقرار الإقليمى بل تحت شعار ضمان الأمن الملاحى والتصدى لأعمال القرصنة البحرية الناشطة جنوب بحر العرب حيث باب المندب، وخليج عدن وسواحل الصومال الممتدة على الصحراء الغربية للمحيط الهندى، وعلى الرغم من الدعم الذى يمكن أن يلقاه أى تحرك دولى أو إقليمى لمواجهة خطر القرصنة المتنامى فإن بنية القوة الأطلنطية التى أقيمت فى المنطقة لم تكن تنسجم مع هذا الغرض من حيث الكم أو النوع فهذه القوة تتشكل من سبع قطع حربية ذات قدرات استطلاعية وهجومية متقدمة.
وما نود قوله تحديدا إن هذه البوارج ليست متناسقة مع مهمة التصدى لظاهرة القرصنة لكونها كبيرة وغير مؤهلة ولا مهيأة لمطاردة الزوارق السريعة التى يستقلها القراصنة وحتى فى حال تجاوزنا المعايير التقنية، وافتراضنا صلاحية هذه القطع للمهام المعلن عنها فإن السؤال الذى كان يفرض نفسه هو لماذا يتم الزج بكل هذه القوة لملاحقة عناصر لا تشكل فى مجموعها فصيلًا أو كتيبة مشاة فى دولة صغيرة؟ وأيا كان الأمر، فإن أمريكا ما زالت تحاول حتى اليوم أن تستغل قيادتها لحلف الناتو، للدفع به باتجاه إيجاد دور للناتو فى واحدة من أكثر مناطق العالم سخونة وارتباطًا بأمنها القومى ومصالحها الاقتصادية والجيوسياسية.
فجورج دابليو بوش قد أنهك قواتها العسكرية والاقتصادية وأصبحت فى موقف لا تقدر الاعتماد على نفسها كما كانت تفعل فى الماضى القريب قبل أن يصل جورج بوش للبيت الأبيض.
وربما لم يخطر ببال أحد من قبل أن حلف شمال الأطلنطى (الناتو) يمكن أن يسقط ضحية للإرهاب الذى انتشر وتوحش وأصبح يهدد العالم كله بالإضافة إلى الوضع الاقتصادى المتأزم الذى يطحن العالم الذى كان أحد تداعيات سياسة بوش السافرة وقراراته الخاطئة التى اتخذتها كتيبة الموت من أعضاء إدارته الفاسدة وذلك على اعتبار أن الحلف ليس شركة أو مؤسسة مالية لكى تنهار أسهمه أو تفقد مبيعاته ولكن الواقع يقول عكس ذلك. فالحلف شاء القائمون عليه أم أبوا سيتأثر بالأزمة المالية العالمية والتى لم يظهر منها حتى الآن سوى رأس جبل الجليد وعندما يذوب الجليد وتتحول المياه المتولدة عن هذا الذوبان إلى سيول ستكتسح معها الحلف كله أو على الأقل العديد من مهامه، لأن الدول المشاركة فيه لن يكون من أولوياتها حينئذ سوى إعادة بناء اقتصادياتها وإطعام شعوبها، وتوفير المسكن الملائم وليس خوض حروب بالوكالة أو حروب بلا هدف تستهلك الميزانيات للدول المهاجمة بنفس القدر، وأكبر من الدول المعتدى عليها الصومال، والعراق وأفغانستان خير مثال على ذلك.
وبرغم نهاية الحرب الباردة منذ ما يقرب من عقدين من أن ميزانية الناتو تضاعفت عدة مرات بسبب اتساع نطاق عملياته بكل قوة خلال ما أعلنه بوش بالحرب العالمية ضد الإرهاب، وكانت أفعانستان كما سبق الإشارة سابقا المكان الذى يحتل الصدارة فى استهلاك ميزانية الحلف برغم أن الجانب الأكبر من تكاليف العمليات العسكرية هناك، يأتى مباشرة من الميزانيات العسكرية للدول المشاركة فى الحملة ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وبذلك يمكن القول إن عمليات الناتو أصبحت تستهلك ميزانيته علاوة على ميزانيات الدول الأعضاء مثل الولايات المتحدة التى تخصص عشرات المليارات من الدولارات سنويا لتمويل وجودها ضمن الحلف فى الأراضى الأفغانية وهو استنزاف حاد للميزانية الأمريكية، علاوة على ما تكبدته من مئات المليارات نتيجة غزوها المجرم على العراق والصومال والسودان ومعظم الدول العربية، وللحديث بقية.