فى المقال السابق توقفنا عند الاجتماع التاريخى الذى عقده الدكتور محمد بديع مرشد جماعة الإخوان مع أعضاء مكتب الإرشاد يوم الثلاثاء الموافق الحادى عشر من يونيو ٢٠١٣ وذلك لمناقشة كيفية التصدى لدعوات التظاهر فى ٣٠ يونيو، بعدما تأكد للجميع أن هذه التظاهرات لن تمر مرور الكرام، وستمثل خطرًا وتهديدًا حقيقيًا على نظام مرسى، وكان أول المتحدثين فى هذا الاجتماع المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام، والذى أكد ضرورة اتحاد جميع التيارات والتنظيمات الإسلامية، وتكاتفها لمواجهة التيار الليبرالى والعلمانى الداعى لهذه التظاهرات، وبالفعل تم تكليف الشاطر بالتنسيق مع القوى السلفية والجهادية والأحزاب الدينية والشخصيات الإسلامية المؤثرة عالميًا، بغية قمع وإرهاب كل من تسول له نفسه النزول فى ٣٠ يونيو، وكذلك البدء باحتلال الميادين بواسطة شباب الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى، ولا بد للجميع أن يفهموا جيدًا أن المعركة الدائرة هى ما بين الدين واللا دين، ولأن شعبنا متدين بالفطرة فسوف يقف معنا، هكذا قال الشاطر، أما محمود عزت فتحدث فى أمر آخر وهو ضرورة اتخاذ خطوات جادة فى سبيل إبعاد القوات المسلحة عن المعادلة، فرد بديع قائلًا إنه حاول ذلك مرارًا وتكرارًا ولكنه فشل، فالقائد العام يرفض فكرة الحرب فى سوريا شكلًا وموضوعًا، هذه الفكرة التى أراد مرسى تصديرها للجيش منذ نهاية سبتمبر ٢٠١٢ وتحديدًا عقب عودته من الولايات المتحدة وحضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ولقائه سرًا بشخصيات أمريكية مخابراتية بحضور مساعده للشئون الخارجية الدكتور عصام الحداد طبيب التحاليل وبدون علم الخارجية المصرية أو مدير المخابرات.
وقد تحدثنا عن ذلك تفصيلًا فى مقال سابق، ورأينا كيف تمكن أحد أعضاء الوفد المصرى من الكشف عن هذه اللقاءات وهوية من التقى بهم مرسى الذى حاول عقب عودته أن يزج بالجيش فى الحرب السورية أكثر من مرة، ولكنه فشل فى إقناع القائد العام بذلك، وهنا اقترح محمود عزت التجهيز والإعداد السريع لمؤتمر عاجل لنصرة سوريا وفيه يعلن الرئيس قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام بشار، مما يثير الجدل الداخلى ويربك كل الحسابات، خاصة لو تم الترويج لفكرة أن إرسال الجيش للحرب فى سوريا ستكون الخطوة التالية لهذا الإعلان، وهذه هى مهمة الكتائب الإلكترونية، وقد لاقى هذا الاقتراح موافقة جميع أعضاء مكتب الإرشاد الذين لم يشكوا لوهلة أن هذا الاجتماع قد تم رصده بواسطة أجهزة حديثة، فأمن مصر ليس لعبة فى يد أحد الأطراف والهدف من وراء هذا الاجتماع هو التصدى للمتظاهرين فى ٣٠ يونيو مما يعنى أن المناقشة ستتطرق إلى كيفية المواجهة، والتى ربما تدخل مصر إلى حرب أهلية نحن على أعتابها منذ الإعلان الدستورى فى نوفمبر ٢٠١٢، وهذا ما لا تريده أجهزة الدولة المصرية، ولذا كان من الضرورى أن يتم رصد هذا الاجتماع والذى انتهى بالاتفاق على التجهيز الفورى والسريع لمؤتمر نصرة سوريا وإبلاغ الرئيس بما سيقوله فى هذا المؤتمر، وانتهى أيضًا بتوكيل الشاطر بعمل الاتصالات اللازمة مع جميع القوى الإسلامية لدحض ٣٠ يونيو، وقبل أن ينصرف الجميع أجرى المرشد اتصالًا بأسامة بن مرسى وأبلغه بما اتفقوا عليه، فنقل الابن هذا لأبيه الذى اجتمع فى اليوم التالى مع وزير الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات، والدكتور عصام الحداد والسفير ناصر كامل مساعد وزير الخارجية، والذى حضر نيابة عن الوزير الذى كان مسافرًا خارج البلاد، وقد طرح مرسى على الحاضرين قراره الذى سيتخذه بقطع العلاقات مع سوريا، ففوجئ مرسى برفض الجميع لهذا القرار عدا الحداد طبعًا وذلك لما له من آثار سلبية على الأمن القومى المصرى، وحاول الفريق أول عبدالفتاح السيسى أن يشرح لمرسى أن هذا القرار سيكون مناقضًا للتصريحات التى أدلى بها مرسى نفسه بعد لقائه مع الرئيس الروسى «بوتين» حين قال بالحرف الواحد إن وجهة النظر المصرية فى شأن ما يحدث فى سوريا تتطابق تمامًا مع الرؤية الروسية فى ضرورة الحل السياسى واللجوء إلى مؤتمر جنيف، والابتعاد عن الحل العسكرى، أما اللواء رأفت شحاتة والسفير ناصر كامل فقد تحدثا عن رفضهما هذا القرار الذى سيمثل تصعيدًا غير مبرر فى وقت يتحدث فيه العالم عن التسوية السياسية، وعندئذ قال مرسى حرفيًا: عموما القضية ما زالت مطروحة للنقاش ولسماع وجهات النظر المختلفة، وانتهى الاجتماع دون الاتفاق على قرار حاسم، أما خيرت الشاطر فقد اجتمع فى ذات التوقيت مع ممثلى القوى الإسلامية، واتفق معهم على تحديد الخامس عشر من يونيو موعدًا لمؤتمر نصرة سوريا، وأن يقام بالصالة المغطاة فى ستاد القاهرة، وتم تكليف صفوت حجازى وطارق الزمر ومحمد البلتاجى بعمل جميع الترتيبات الخاصة بالمؤتمر من طبع بانرات ودعاية وأعلام ودعوات لأكثر من عشرين ألف شخص، وتوفير الأتوبيسات اللازمة لنقلهم مبكرًا لعمل بروفات على الهتافات والشعارات التى ستقال أثناء الاحتفال مع صرف وجبة غذاء لكل شخص وتحددت الميزانية التى وافق على صرفها فورًا المرشد العام، ولضخامتها فقد ساهمت فيها بعض القوى الخارجية، حيث عاد فى ذلك اليوم إلى مصر الدكتور يوسف القرضاوى بصفته رئيس الاتحاد العام لعلماء المسلمين، وحضر لقاء الترتيبات وبارك هذه الخطة التى رأى أنها ستدحض دعوات التظاهر والثورة فى ٣٠ يونيو، وبالفعل فى مساء الخامس عشر من يونيو بدأ المؤتمر وهو محور حديثنا فى المقال القادم إن شاء الله.