وضعت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمام القمة الأمريكية الإسلامية النقاط فوق الأحرف بشأن تعريف عملية مكافحة الإرهاب من منظور شامل، وتحديد ركائزها الأساسية.
الرؤية المصرية التى طرحها الرئيس، شددت على ضرورة محاربة التنظيمات الإرهابية كافة، وعدم الاكتفاء باستهداف منظمات بعينها، وركزت على أهمية محاسبة الدول التى تقوم بتمويل الإرهاب، وتسليحه وتوفير ملاذات آمنة لعناصره، ومراكز علاجية لمصابيه، وأخرى تتم عبرها عملية إحلال وتبديل المقاتلين وقطع غيار السلاح، علاوة على الدول التى ابتاعت براميل النفط من التنظيمات المسيطرة على منابعه.
الرؤية المصرية الشاملة تحدثت أيضًا عن محاربة الإرهاب فكريًا وإيديولوجيًا من خلال تجديد الخطاب الدينى.
الإشارة إلى تركيا وقطر كانت واضحة فى حديث الرئيس، فالأولى قدمت دعمًا عسكريًا ولوجستيًا لتنظيم داعش، واشترت منه براميل البترول المسروقة بأسعار بخسة، والثانية تدعم تنظيم الإخوان الإرهابى بكل ما أوتيت من قوة، وسفنها لا تزال تبحر فى مياه المتوسط لتمد الإرهاب فى ليبيا بالمال والعتاد والرجال، وكلتيهما تؤمنان بإيديولوجية الإخوان الإرهابية، وتحتضنان بين ضرعيهما أمراء الدم.
تميم وأردوغان الراعيان الرسميان لكل ما هو إرهابى فى منطقة الشرق الأوسط، ولا يوفران جهدًا للإضرار بالدولة المصرية. صحيح أن الملك سلمان بن عبدالعزيز قد عقب على كلمة الرئيس بإعلانه الصريح دعم الرؤية المصرية الشاملة لمحاربة الإرهاب حول العالم، لكن الشكوك لا تزال تحيط بالجهود السعودية الرامية إلى إثناء أمير الدويلة القطرية عن دعم الإرهاب وحماية قياداته، وتوفير أغطية سياسية وإعلامية لجرائمه.
الوقائع السابقة هى من صنعت تلك الشكوك، وزاد عليها ما قاله الرئيس الأمريكى ترامب أثناء كلمته فى القمة بشأن ما وصفها بالعلاقة الاستراتيجية مع قطر التى تساعد على محاربة الإرهاب.
هذه الشكوك ستمتد أيضًا إلى المركز الأمريكى الخليجى المشترك، الذى دشنته القمة الأمريكية الخليجية، ليلعب دورًا أساسيًا فى عملية مكافحة منابع تمويل الإرهاب.
وسيبقى التفاؤل بشأنه حذرا، إذ ليس من المتصور أن يقوم هذا المركز بدور فاعل لوقف التمويل القطرى لعناصر جماعة الإخوان ومرادفتها الداعشية فى العراق وسوريا وليبيا ومصر، والرئيس الأمريكى مع ما يبديه من توافق مع الرؤية المصرية، يثنى على الدور القطرى فى مكافحة الإرهاب.
كذلك تلاحق التساؤلات المركز حديث الولادة بشأن ما يمكن أن يقوم به فى مواجهة الدور التركى الداعم للإرهاب فى ظل تعقد العلاقة الخليجية والسعودية تحديدًا مع أنقرة، على قاعدة المصالح الاستراتيجية. ففيما زار أردوغان طهران، وأعلن تحالفه معها، لم تبد الرياض غضبًا من الرئيس التركى، بل حافظت على علاقتها الحميمة معه. ومع ذلك ليست تركيا وقطر علامة الاستفهام الوحيدة حول مستقبل جدية المركز الأمريكى الخليجى لمكافحة منابع تمويل الإرهاب.
فثمة علامة استفهام أخرى بشأن مجالات التعاون بين مصر وذلك المركز، فمن شبه المستحيل أن تتم أية محاولة جادة فى منطقة الشرق الأوسط لمحاربة الإرهاب بعيدا عن مصر بحكم موقعها وخبرتها ومصالح دول المنطقة معها.
وأظن أنه من الصعب توقع تعاون مثمر بين القاهرة وواشنطن والرياض المتزعمتين للمركز؛ لأن الاختلاف فى تحديد هوية التنظيمات الإرهابية كبير بين الجانبين. وهو ما بدا فى الرؤية المصرية التى ترى ضرورة مكافحة جميع التنظيمات دون استثناء.
ومن المعروف أن هذا الاختلاف تجلى على الأراضى السورية؛ كذلك لا تزال رؤية الخليج تجاه الوضع فى ليبيا غامضة، خاصة أن قطر ليست وحدها من تدعم الجماعات الإرهابية على حدودنا الغربية.
واشنطن متهمة هى الأخرى بصناعة داعش على يد المخابرات المركزية الأمريكية، فهل غيّر صانع القرار الأمريكى الحقيقى نظرته إلى صنيعته؟ هل اتخذ قرارًا بالقضاء عليها كما فعل مع القاعدة من قبل؟! كل ذلك مجرد قراءة لما نراه يتحرك على السطح، ولا ندرى ما يدور فى الغرف المغلقة، فلربما هناك ما يتم ويجرى يجعل مخاوفنا فى غير محلها!.