السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تساؤلات تائهة «2»

يسألونك عن الدولة المدنية الحديثة (33)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قطعًا، تتوه التساؤلات إن لم تجد آذانًا مسئولة تستلهم ما بها من محددات بغيرها لا تستقيم خطواتنا تجاه «الدولة المدنية الحديثة»، كسبيل وحيد نحو تحقيق التطلعات الشعبية المشروعة فى حياة كريمة حرة، تتبنى جميع المطالب الثورية التى أعلنتها الحناجر الثائرة فى الخامس والعشرين من يناير، وواصلت الملايين الاستمساك بها فى الثلاثين من يونيو.
فى هذا السياق تأتى أهمية متابعة إعلاء شأن تساؤلات لا تستهدف إلا الكشف عن حقيقة الخطوات التى نتخذها تحقيقًا لأهداف ثورتنا، يناير ـ يونيو؛ إذ دون مراجعات حقيقية جادة، نتخذها مع النفس بشجاعة، لا أمل كبيرًا فى إنجاز المسئوليات الضخمة المنوط بنا إدراكها على نحو فعال.
من هنا أواصل اليوم طرح تساؤلات صريحة، استقبالها بروح وطنية، وبحثها بعناية، لا يتيح فرصًا أمام المصالح الذاتية لاحتلال مواقع المصالح الوطنية العليا. فأقول: لطالما تحدثنا عن منظومة القيم المكونة لركيزة «الحكم الديمقراطى» الرشيد، باعتبار الأخير، إلى جانب المواطنة والعلمانية، تشكل الركائز الأساسية لبناء «دولة مدنية حديثة» بالمفهوم المتعارف عليه فى المجتمعات المعاصرة. فإذا ما تم تفكيك ركيزة «الحكم الرشيد» بعناية، وجدنا أن «المؤسسية» من أهم سماته، ودونها لا يمكن توقع حضور بقية العناصر، من «سيادة القانون»، و«الشفافية»، و«المساءلة»، و«المحاسبة»، و«حرية الرأى والتعبير»، وغير ذلك من السمات المتوفرة بوضوح فى جميع الدول التى حققت نموذجًا صحيحًا لديمقراطية الحكم. وعليه، فإن الكشف عن الغياب المتكرر لـ «مؤسسية» الدولة المصرية، لا يستدعى مجهودًا كبيرًا. خذ عندك المأثورات المعروفة عن كل المسئولين المصريين منذ أمد بعيد حين يصدمنا الوزير، أو المحافظ، أو ما هو أدنى فى الترتيب الهرمى للإدارة المصرية. إذ الكل يسبح بتوجيهات رئيسه، حتى تأكدنا جميعًا أن المسئول ليس مسئولًا إلا عن تنفيذ ما تمليه عليه عبارة «طبقًا لتوجيهات السيد الرئيس»، فبها ولها فحسب سيقوم سيادته بتنفيذ القانون وعمل كذا وكذا. الأمر الذى أظنه يدعو إلى خجل أبدًا لا يعتريه إذ بدا أن الرجل لا يدرك مما حوله إلا «توجيهات السيد الرئيس» بينما يغيب عنه القانون، ولا يتوقع أبدًا المساءلة أو المحاسبة إن هو أهمل فى تنفيذه!.
وقد حدث مؤخرًا أن انفعل الرئيس أمام اكتشافه حجم وسرعة التعديات على أملاك الدولة، وامتد غضبه، فأعطى المسئولين فرصة حتى نهاية الشهر الجارى «مايو ٢٠١٧» لاسترداد جميع الأراضى المستولى عليها، ولم يفت الرئيس أن ينوه سريعًا إلى عادتنا فى خلط الحابل بالنابل، فى غمار تسابقنا لتنفيذ الأوامر الرئاسية، فنبه تلميحًا إلى ما فعلناه إبان حملة إزالة الكافيهات الشهيرة التى أعقبت مقتل شاب فى إحداها؛ إذ كانت الأجهزة، المسئولة فقط عن تنفيذ «التوجيهات الرئاسية»، قد نشطت فهدمت الكثير من الكافيهات المرخصة.
وبالفعل، انشغلت وسائل الإعلام بإعلان النتائج الأولية للسباق المحموم بين جميع المحافظات بشأن ما تتم استعادته من الأيادى التى اغتصبتها لسنوات عديدة، وبمساحات تتجاوز كل منطق. وما زال الكل يسابق الزمن، وأعمال الهدم لا تنقطع، ومعها التساؤلات لا تقتنع!. إذ كم مر من الزمن على وقوع تلك التعديات؟!. وعلى أى أساس قانونى تم التعامل مع مغتصبيها؟!. وماذا لو لم يصدر السيد الرئيس توجيهاته؟!.
وعليه، نزعم أن جهودًا صادقة تُبذل فى سبيل بناء «الدولة المدنية الحديثة»، بينما مسئولونا لا يجدون سببًا أو مبررًا لإنفاذ القانون إلا تحقيقًا لتوجيهات السيد الرئيس. نهزل نحن إذن، بل أقول نتواطأ جميعًا ضد الوطن، ونخذل ثورته، بل ونهينها بوضوح، إن تصورنا أن «دولة مدنية حديثة» يمكن أن تنهض على أكتاف توجيهات الرئيس.
هل نسينا توجيهات الرئيس الأسبق مبارك بتطوير التعليم والصحة والإسكان والطرق، بل وجميع محاور العيش فى المجتمع. والنتيجة لم تكن إلا صفرًا كبيرًا واسعًا شمل جميع أبعاد العمل الوطنى، ما دفع البلاد إلى ثورة شعبية هائلة، استهدفت تغييرًا جذريًا فى المجتمع. فإذا بنا نصحو بعد سنوات تعدت «الست»، على غضب الرئيس السيسى لنجد أن قناعات مسئولينا لم تتدحرج عن موقعها الأثير «الرضيع» من «توجيهات السيد الرئيس».
هل نقول غير ذلك فيما يتعلق بتجديد الخطاب الدينى ليواكب التطورات الكبيرة فيما تواجهه الدولة من مخاطر؟!. بالقطع لا. ومن ثم لا نتوقع تجديدًا حقيقيًا ملموسًا يخفف من عثرات خطابنا الدينى. وفى السياق ذاته كانت صدمتنا الأخيرة فى أحد «العلماء»، الذين طالما طالبوا بتجديد الخطاب الدينى، تنفيذًا لتوجيهات السيد الرئيس. فقد صُدم الناس بحقيقة التوجهات الفكرية للشيخ «الجليل» تجاه الأشقاء المسيحيين، فكان التسابق متسارعًا، كلوادر وجرارات الهدم، من الأزهر بوقف الشيخ عن الخطابة، ومن قناة فضائية بإلغاء برنامجه على شاشتها، وانهالت الصحف تتابع اعتذارات وتوضيحات متكررة من الرجل الذى لم يحتمل خروجه من دائرة دعاة تجديد الخطاب الدينى إلى دائرة المتهمين بتشويه الدين الإسلامى وتعكير «صفو السلم الاجتماعى». ولم يفت البعض الإعلان عن عضوية الشيخ «الجليل» فى جماعة الإخوان الإرهابية، وهى عضوية قديمة وواضحة، نفس قدم ووضوح عمليات الاستيلاء على أراضى الدولة التى نبهتنا إليها «توجيهات السيد الرئيس»!.
علينا إذن، ونحن نبنى «دولة مدنية حديثة»، على ورق وعجل ودون وعى، أن نتوقع توجيهات من السيد الرئيس، يطالب فيها بتنفيذ الأحكام القضائية!. تصاحبها توجيهات مماثلة لرجال المرور بتيسير المرور، وللأطباء بمعالجة مرضاهم، وللمدرسين بالتدريس، وللإعلاميين بمراعاة المهنية، وللقضاة بالعدل، وللتجار بالنزاهة، وللطلاب بالمذاكرة!.
والحال كذلك، ليس إلا «مؤسسية» الدولة يمكن أن تدفع بخطواتنا إلى الطريق الصحيح نحو إعلاء قيم الثورة المصرية، فنسلك طرقًا، عساها شاقة، لكنها مأمونة، بعيدة عن شخصنة الأمور، وتأليه الحاكم. ومن ثم نكون على موعد حقيقى مع إحداث تغييرات فعلًا جذرية، تتعمق معها قيم سيادة القانون، والشفافية. ونسقط من حساباتنا مناهج لطالما ناقضت ما اتبعته الدول التى نجحت فى بناء «دولة مدنية حديثة» دون توجيهات من السيد الرئيس. إذ لا تصلح توجيهات السيد الرئيس بديلًا عن عمل وطنى جاد مدروس. وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.