منذ الأيام القليلة الماضية خرجت علينا كونداليزا رايس مستشار الأمن القومى الأمريكى، ووزير الخارجية خلال فترة حكم الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش بتصريح تناقلته الصحافة الأمريكية بأن عملية غزو دولة العراق ٢٠٠٣ لم تكن بسبب امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل، ولا بسبب أن هناك علاقة كانت بين الرئيس صدام حسين رحمة الله عليه مع القاعدة وأسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، كما أعلن كذبًا آنذاك الرئيس بوش وإنما كان السبب الحقيقى وراء عملية الغزو هو احتلال العراق والتخلص من الرئيس صدام حسين.
هذا التصريح الذى نقلته وكالات الأنباء ليس له أى تفسير إلا أن جورج دبليو بوش يعتبر مجرم حرب لم تصل إليه يد العدالة بعد، ولم يقف أمام المحكمة الجنائية الدولية، مما يعكس فساد النظام الدولى، وبجاحة الدولة العظمى وقياداتها وعدم احترامها لمشاعر الدول بعد هذا التصريح.
والذى حدث أن صمت العالم والعرب أمام غزو العراق المشين وإقصاء صدام حسين بالقوة ثم محاكمته ثم إعدامه فى أول أيام عيد الأضحى. فهل سيصمت العالم والعرب اليوم بعدما أعلنت كونداليزا رايس عن السبب الرئيسى لإبادة البشر فى العراق؟
ومثلما سبق أن طلب جورج دبليو بوش من صدام حسين الالتزام بالقرارات الشرعية الدولية المدعومة، طلبت واشنطن بعد ذلك على لسان وزير خارجيتها من الرئيس السودانى البشير الامتثال لأوامر المحكمة الجنائية الدولية قائلة إذا كان الرئيس السودانى يرفض الاتهامات الموجهة إليه فعليه أن يسلم نفسه أولًا وفى قفص الاتهام سيكون من حقه قانونًا الدفاع عن نفسه وإثبات عدالة قضيته.
صمتوا بعد ذلك أمام جبروت وفساد النظام الدولى أمام سابقة لم تحدث فى التاريخ من قبل، وهى محاولة إلقاء القبض على رئيس دولة وهو فى السلطة وهو الرئيس البشير. ومثلما عملت الإمبريالية بقطع وتمزيق أوصال الدول العربية لإضعافها واختلاس مواردها فى بداية القرن الماضى «سايكس بيكو» يعود العالم من جديد بعد أن قام جورج دبليو بوش مجرم الحرب بضرب العراق، وقام بعده الرئيس أوباما بضرب ليبيا بالصواريخ والقنابل المحرمة وحولها إلى أهم بؤرة إرهابية فى العالم كما قام بضرب سوريا وزرع الإرهاب فى المنطقة العربية، وسمحت الولايات المتحدة بافتعال الصراعات المذهبية والدينية والعرقية واللغوية والقيمية، وتسعى اليوم لرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد.. إلخ.
ومثلما كانت انكسارات الأمس مُرة، فها هى اليوم أكثر مرارة وأفدح خسارة، بعد أن انتشر الإرهاب فى ربوع الوطن العربى، واندلعت الصراعات العسكرية فى معظم الدول العربية وضاعت العراق التى كانت تحسب من أهم عناصر حسابات القوى الشاملة للوطن العربى، وانتهت ليبيا وتحولت سوريا إلى حفائر وأطلال. واستدرجت الشقيقة السعودية فى حرب لا يعرف نتائجها أو نهايتها إلا الله، كما ضاعت الأموال والثروات العربية، وانشغلت مصر بمحاربة الإرهاب اللعين الذى زرعه أوباما بالتعاون مع التنظيم الدولى للإخوان فى المنطقة.
وبسبب الصمت وعدم التحرك العربى القوى، كان طبيعيًا ألا تتحرك عدالة المحكمة الجنائية الدولية والقوى المستغلة وفى مقدمتها بريطانيا الدولة الاستعمارية الداعمة للولايات المتحدة إلا على العرب، ولم تصدر، مذكرات اعتقال للرؤساء فى السلطة إلا ضد العرب. والدليل أين كانت المحكمة وعدالة المحكمة عندما اعترف جورج بوش بأن قراره لغزو العراق بنى على أدلة ومعلومات استخباراتية غير دقيقة، وما ترتب على هذا القرار الكارثى من سقوط دولة العراق والقضاء عليها تمامًا، وقتل أكثر من مليون عراقى لا ذنب لهم، وتشريد أكثر من ثلاث ملايين وسجن أكثر من ١٠٠ ألف عراقى استخدمت معهم أبشع وأقذر أساليب التعذيب والتنكيل فى سجن جوانتانامو وسجن أبوغريب، وحرق النخيل وسرقة الآثار والمكتبات وتسريح الجيش حتى صارت الدولة بدون جيش يحميها مما أدى إلى انتشار الإرهاب والقتل وعمت الفوضى والسرقات فى كل مؤسسات الدولة حتى انهارت تمامًا.
واليوم وبعد أن اعترفت كونداليزا رايس بأن قرار غزو العراق كان الهدف منه احتلال العراق وقتل صدام حسين، هل سيتحرك المجتمع الدولى والشعب العراقى والشعوب العربية كلها معه لتقديم جورج دبليو بوش إلى العدالة باعتباره مجرم حرب بعد أن تجمعت كل عناصر الاتهام ضده؟.
ويبقى السؤال من الذى سيأخذ حق الشعب العراقى مما أصابه من جراء عملية الغزو الأمريكى البشع لدولة العراق، حيث قامت القوات الغازية الفاشية بالعبث بكل مقدسات وتراث وأصول وثوابت الدولة ذات الحضارة القديمة، هذه الدولة التى كانت منذ ثلاثة عقود من أقوى الدول العربية والذى تمكنت قواته المسلحة من هزيمة إيران وهى الدولة التى تعمل لها الولايات المتحدة الآن ألف حساب.
إن حق العراق فى رقبة النظام الدولى الذى ما زال يحتفظ لنفسه ببعض الاحترام من دول العالم، وفى رقبة كل العرب والمسلمين الذين يصل عددهم نحو ١٦٠٠ مليون نسمة، ولن يضيع هذا الحق أبدًا، ولن يسقط بمرور الوقت.
إن مجرم الحرب جورج دبليو بوش لم يرتكب جريمته ضد العراق فقط، وإن كانت هذه الجريمة وحدها كفيلة بمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولكنه لم يترك دولة عربية إلا وحاول تخريبها، فالصومال الدولة العربية المسلمة وشعبها البسيط الطيب، لم يتركها فى حالها بل استمر فى إشعال الفتن وإذكائها بين القوى السياسية والقبائل والعشائر، ليجهز عليها تمامًا فتستمر فى صراعات دموية قبلية وهو ما حدث بالفعل.
فانتشر الإرهاب فى الصومال وخرج من بين أبنائها المسالمين الطيبين القراصنة تعبيرًا عن مدى الظلم والقهر الذى عانى منه الصوماليون، فقام القراصنة الصوماليون بخطف السفن والعبّارات وناقلات البترول العملاقة وفرضوا الإتاوات، وتراجعت حركة التجارة الدولية وما زالت الصومال حتى الآن فى صراعات.
وكما فعل جورج دبليو بوش بالصومال، فعل هذا السلوك الإجرامى مع السودان ولبنان وأفغانستان وغيرها. وهو موضوع مقالى القادم.
ولم يبق لى إلا أن أقول إن طريق النضال شاق وطويل يسقط عليه آلاف الشهداء، ويبقى رغم ذلك آلاف آخرون من المؤمنين بقضيتهم وبحقوقهم والمستعدين لتقديم التضحيات. وسوف يسوق العرب والمسلمون والقوى الشريفة فى العالم جورج دبليو بوش وأمثاله إلى المحكمة الجنائية الدولية، وسوف ينتصرون ما دام الحق واضحًا والقضية عادلة.. وللحديث بقية.