إمام الباحثين الراحل السيد ياسين كان يقول دائما: «بغير عقل نقدي لا يمكن تحقيق النهضة العربية!».. جملة قد تبدو قصيرة لكن تحمل بين طياتها الكثير من التفاصيل.
فالتفكير النقدي هو المخرج الوحيد لاستنهاض الهمم وبناء استراتيجية طموحة لبناء مستقبل الدولة التنموية التي نحلم بها، في عالم مجنون مُتوهِّج بثورة معلوماتية، يحتاج إلى استخراج الدلالات من داخل هذا الفيضان، بل بلورة المعاني وتحويلها إلى معرفة تستفاد بها الدولة في تحقيق النهضة الحقيقية.
نحن نعيش خطرًا وجوديًا، وبحاجة حقيقية لاستدعاء وترسيخ مفاهيم العقل النقدي في مجالات «السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والتعليم، والإعلام.. إلخ»، لنستطيع تصنيف هذا الفيض الوفير من المعلومات والتفرقة بين المعلومات الصحيحة والخاطئة، وما بين المعلومات المتحيزة والموضوعية.
وفي محاولة جادة لاستدعاء العقل النقدي، أصدر الكاتب الصحفي وائل لطفي كتابه «الطريق إلى داعش» الصادر عن مؤسسة روز اليوسف للنشر، الذي يضم عددًا من المقالات ترصد كيف استفحلت الأفكار الإرهابية وتغلغلت داخل العالم العربي بشكل عام والمجتمع المصري خاصة.
قدم وائل لطفي، من خلال كتابه الجديد، معالجة واضحة لظاهرة التطرف والعنف وقضية تجديد الخطاب الديني باعتبارها الضرورة الحتمية للمواجهة الثقافية، تعتمد في الأساس على أسلوب التفكير النقدي.
حاكم وائل لطفي، في كتابه، العقل الإرهابي، وأبحر داخل تلك الظاهرة بالغة التعقيد، بعيدًا عن التفسيرات الاختزالية السطحية، مدعمًا برؤى وشواهد وأطروحات تكشف زيف مشروع الفردوس الموعود الذي روجت له الجماعات المتطرفة وانتهى المطاف إلى ظهور «التنظيم الداعش».
وتأتي أهمية محتوى الكتاب في تقديمه أدلة لا تحمل التأويل عن الأسلوب الذي تعامل به نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك مع الإخوان والسلفيين، وكيف تجنب منافستهم في الشارع مقابل السلطة، ومناطق الاشتباك والمناوشات بينهما.
كما يكشف عن تفاصيل مهمة لما تسمى بـ«خطة اختراق الصفوة» عبر ترسيخ ظاهرة الدعاة الجدد داخل مفاصل المجتمع المصري وكواليس عن علاقة مشايخ العولمة بجماعة الإخوان الإرهابية وكيف تمكنوا من ترسيخ صورة ذهنية صلبة بأنهم البديل الآمن لجماعات التطرف والعنف.
وطرح وائل لطفي في مستهل كتابه عددًا من الأسئلة المشروعة التي تحمل بداخلها دفاعًا مستميتًا عن الهوية المصرية، وتشريحًا دقيقًا للعقل الإرهابي المعادي للحداثة، ويشرح كيف كان الصراع بين المجتمع والذات الإرهابية الكامنة داخل عقول الجماعات المتطرفة، وما تضمنه من مناورات فكرية.
ومن وجهة نظري إذا كنا جادين لمواجهة خطر التطرف والإرهاب يجب أن نجد إجابة سريعة لسؤال وائل لطفي: لماذا لا تتبنى الدولة مشروعًا فكريًّا وسياسيًّا يقاوم التطرف الديني ويشغل عقول الشباب وأوقاتهم ولا يتركهم نهبًا للفراغ الثقافي والسياسي الذي يشغله بعض الدعاة سواء المتطرفين أو الجدد، بترهات فكرية تحت ستار الدين وبشروح استهلاكية وتجارية للدين تحوله من فلسفة لفهم العالم وإعمار الأرض لمجموعة طقوس شكلية فارغة ولوقود يُسهم في تدوير أحلام الخلافة وأستاذية العالم؟
ومن تلك الإجابة نستطيع تكوين استراتيجية تعتمد على منهج الهجوم المتعدد أساسًا للقضاء على ظاهرة الإرهاب، فالهجوم الأمامي المعتمد على الحلول الأمنية ليس كافيًّا وبحاجة لحشد وتعبئة القوى الناعمة في المجتمع وتحفيزها على تنفيذ هجمات فكرية جانبية تهتم بتفنيد وتوضيح التأويلات الخاطئة للدين والشعارات المزيفة التي لا تجد لها منافسًا قويًّا في الشارع المصري.