استمرارًا لهذه السلسلة من المقالات التى نرصد فيها ما حدث لمصر على مدار سنة كاملة، بدأت فى يونيو ٢٠١٢ وانتهت فى يونيو ٢٠١٣، وهى السنة التى صعد فيها محمد مرسى إلى سدة الحكم ومعه جماعة الإخوان التى كانت محظورة خلال أكثر من ستين عامًا منذ أن أنشأها حسن البنا عام ١٩٢٨ بالإسماعيلية، فقد أصدر محمود فهمى النقراشى، رئيس وزراء مصر، فى عام ١٩٤٨ قرارًا بحل الجماعة ومصادرة أموالها، وذلك عقب اغتيالهم للواء سليم زكى، حكمدار القاهرة، فردوا على هذا القرار باغتيال النقراشى نفسه، وعادت الجماعة للوجود مرة أخرى مع ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢، وأعلنت دعمها للضباط الأحرار ولجمال عبد الناصر، وكتبوا شعرًا فيه وفى رفاقه حتى انتهى شهر العسل سريعًا حين اختلفت المصالح ورفض عبد الناصر أن يهبهم المناصب التى أرادوها، عندئذ قرروا اغتياله فى عام ١٩٥٤، وأصبح عبد الناصر هو عدوهم اللدود، لدرجة أنهم سجدوا لله شكرًا حين هزمت مصر فى عام ١٩٦٧، ظنًا منهم أنها نهاية عبد الناصر، وحين رحل بالفعل فى سبتمبر عام ١٩٧٠ جاء السادات مقررًا استغلالهم فى وقف المد اليسارى الذى كان مؤيدًا وداعمًا لعبد الناصر، وقدم نفسه باعتباره الرئيس المؤمن، وأخرجهم من السجون، وأعادهم إلى وظائفهم، وفتح بينه وبينهم صفحة جديدة، ولكنهم سرعان ما هاجموه ووصفوه بأقذر الألفاظ هو وزوجته، وكانت الجماعة قد تعرضت لحالة من التفكك، حيث خرجت عنها عدة جماعات جهادية تأثرت بالفكر الوهابى، نتيجة هروب بعض أعضاء الإخوان إلى السعودية فى عهد عبدالناصر، ثم عادوا فى عهد السادات بأفكار متشددة، وكانت جماعة التكفير والهجرة هى أولى هذه الجماعات المتشددة وآخرها الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد الذى قام باغتيال السادات فى عام ١٩٨١، وعادت جماعة الإخوان للوجود فى ظل حكم الرئيس مبارك، وذلك بعقد اتفاق مصالح بينهم وبين السلطة، وأدى هذا العقد إلى وجودهم كقوة مؤثرة فى الشارع، وكمعارضة فى مجلس الشعب، وتم السماح لهم بإدارة كل أنشطتهم الاقتصادية والثقافية، وبالطبع كانت تخلل هذه العلاقة بعض سحب الصيف حين يستشعر النظام خطرًا من اتصالات قادة الجماعة بالقوى العالمية، وبأجهزة المخابرات الدولية، وعندما تبدى الجماعة اعتذارها للراحل عمر سليمان الذى كان منوطا به التعامل مع ملفهم، كانت تزول سحب الصيف مرة أخرى، وظل هذا العقد ساريًا حتى ٢٥ يناير ٢٠١١، حين رفضت الجماعة النزول فى المظاهرات، وحين أكد مرشدها بأن مبارك والد كل المصريين، وعندما أتت إليهم إشارات واضحة بأن أمريكا قد رفعت يدها عن مبارك، وأن هناك قوى عالمية وإقليمية تبارك التغيير فى مصر، قرروا النزول فى ٢٨ يناير، وحين أعلن الرئيس مبارك نيته عدم الترشح مرة أخرى بعد انتهاء مدته فى سبتمبر ٢٠١١، وطلب من المتظاهرين التفاوض مع نائبه عمر سليمان، كان الإخوان أول الحضور، ومنذ هذه اللحظة وهم يقدمون أنفسهم للعالم كله باعتبارهم البديل الأفضل، لأنهم يمتلكون شعبية جارفة، وهم يضمنون أمن إسرائيل ويحترمون معاهدة السلام، وذهبوا إلى بريطانيا، وفى جلسة مناقشة علنية مع أعضاء البرلمان قالوا إنهم يحترمون المرأة ويدعمونها لنيل أرفع المناصب، وهم يقدسون حرية الإنسان، وما الشذوذ الجنسى إلا حرية شخصية، وخلال حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة كانت وفود الإخوان تسافر هنا وهناك لتقدم فروض الولاء والطاعة، فهناك من سافر إلى إيران، وهناك من سافر إلى واشنطن، ولعبت قطر دورًا عظيمًا بين الجماعة والإدارة الأمريكية من جانب وبينها وبين إسرائيل من جانب آخر، ولذا فإن إسرائيل لم يصبها أى قلق حين أعلن عن فوز مرسى بمنصب الرئيس، بل قام هو ببث روح الطمأنينة لديها، فأرسل لصديقه الوفى العظيم شيمون بيريز الرسالة الشهيرة التى لم يرسلها من قبله مبارك أو السادات، وها نحن قد وصلنا فى هذه السلسلة من المقالات إلى شهر الحسم أو شهر النهاية، وبات سقوط الإخوان واضحًا فى الأفق لكل ذى عينين، لدرجة أننى شخصيًا قد توقعت سيناريو السقوط، وكتبته فى مقال نشر بجريدة (عين) بعنوان السقوط، وفيه ذكرت ما سيحدث فى ٣٠ يونيو تفصيلًا، وبيان القوات المسلحة، وكان هذا قبيل ثورة يونيو بأيام قليلة، فالوطن كله يتحرك فى مسار واحد، ومرسى وجماعته لا يراجعون أنفسهم بل ازدادوا غرورًا وإصرارًا على مواقفهم، وبات ذلك واضحًا من خلال البرامج التليفزيونية التى استضافت قادة الإخوان ونجوم ما يسمى بتيار الإسلام السياسى، فظهر صفوت حجازى ليردد: «الرئيس محمد مرسى خط أحمر بمعنى اللى هايرشه بالميه هانرشه بالدم»، وظهر عاصم عبد الماجد ليؤكد أن أى شخص ستسول له نفسه النزول فى ٣٠ يونيو لا يلومن إلا نفسه، ولما سأله المذيع عن معنى ذلك قال: «ستكون دماء كثيرة وسيكون يوم فرقان ما بين حق وباطل»، وأفتى محمود شعبان بأن من سيخرج ضد مرسى هو كافر ويجوز قتله، وظن هؤلاء أن هذا الوعيد سيخيف الناس ويدفعهم للتراجع عن النزول، كل هذا فى ظل اعتصام نخبة من المثقفين فى مبنى وزارة الثقافة، اعتراضا على قرارات الوزير الجديد علاء عبدالعزيز التى أطاحت برموز وقامات ثقافية، وفى يوم الثلاثاء ١١ يونيو عام ٢٠١٣ عقد مكتب الإرشاد اجتماعا مهما لمناقشة كيفية مواجهة المظاهرات المتوقعة فى ٣٠ يونيو، وتفاصيل هذا الاجتماع هى محور مقالنا المقبل بمشيئة الله.
آراء حرة
قبيل سقوط الإخوان "1"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق