مع تزايد الضربات العسكرية التي يتعرض لها تنظيم "داعش"، على أيدي قوات التحالف الدولي، أو محليًا داخل الأقطار نفسها مثلما حدث في سيناء بمصر، والموصل بالعراق، والأردن وغيرها، للقضاء على "دولة الخلافة" التي أعلنها التنظيم في يونيو 2014.... تصاعد الحديث عن مرحلة ما بعد "داعش".
ومن السيناريوهات المطروحة لهذه المرحلة المعروفة بـ"العزلة التكفيرية"، هو تصاعد موجة جديدة من "الإرهاب العشائري" ترتكز على الدوافع الاجتماعية والنفسية للأفراد، كموجة خامسة للإرهاب تتجاوز الإرهاب الديني الذي كان سائدًا في تسعينيات القرن الماضي.
ولأن بعض أسباب استمرار العنف والتطرف في المنطقة يعود إلى تزايد حدة الصراعات التي تشهدها دول المنطقة عقب إطاحة ثورات الربيع العربي بعددٍ من الأنظمة العربية، واستخدام أطراف الصراع العنف والتطرف لحسم خلافاتهم السياسية في ظل غياب سبل التسوية السلمية، وشرعة بعضها للعنف ضد الآخر.
"جيفري كابلان"، الأستاذ المتخصص في دراسات الدين والأنثروبولوجي في جامعة ويسكنسن - أوشكش بالولايات المتحدة الأمريكي أعد دراسة بعنوان "العشائرية الخامسة، تناول فيها بالبحث والتدليل العنف العشائري الذي أصبح من سمات الصراع السياسي في المنطقة، بل سيتجاوز النزاعات الطائفية العربية، وستدخل قوى إقليمية في تلك الصراعات من منطلق طائفي، ناهيك عن تبني التنظيمات الإرهابية في المنطقة خطابًا دينيًّا يستدعي مفردات طائفية أكثر عنفًا للتخلص من الطوائف الأخرى في مسعى لتحقيق رؤيتها المتشددة لمجتمعات تقوم على "النقاء الإيماني".
ووفقًا لكابلان، نشأت جماعات الموجة الخامسة من رحم موجات سابقة للإرهاب نتيجة وجود حدث تاريخي أو أزمة، ويرى الكاتب أن جماعة "الخمير الحمر" في كمبوديا مثّلت النواة للموجة الخامسة من الإرهاب، بيد أن سمات هذه الموجة قد ظهرت بشكل واضح في جماعة "جيش الرب" الأوغندي في التسعينيات، ولا يمكن الادعاء أن الخمير الحمر مثلت نموذجًا للموجة الخامسة من الإرهاب بقدر ما كانت تُمثل بداية وضع السياقات والأطر الثقافية التي لا تزال الحركات الأخرى داخل الموجة الخامسة تتبعها.
وفي هذا الإطار، يجب الإشارة إلى أن نشأة "جيش الرب" في أوغندا عام 1987 على يد "جوزيف كوني" منشقًّا عن حركة "الروح المقدسة" التي أنشأتها "أليس أوما Alice Auma" التي ادعت أن روحًا مقدسةً خاطبتها بتخليص قبيلة أشولي في أوغندا من الفقر والظلم والمجاعات والأمراض.
وبعد هزيمة الحركة، تبنى أفكارها "جوزيف كوني" الذي ادعى مخاطبته أيضًا من قبل روح مقدسة لإنقاذ قبيلة أشولي، ثم أنشأ "جيش الرب" الذي نما في بيئة من الفوضى واليأس، وبعد رفضه من قبل سكان قبيلة أشولي، أصبح "جيش الرب" أكثر راديكالية، وقام بأعمال عنف وخطف واغتصاب، وأضحى بذلك جزءًا من الموجة الخامسة للإرهاب التي تتبنى الفكر التطهيري.
ويشير كابلن في دراسته التي نشرها مركز المستقبل للدراسات المتقدمة بدولة الإمارات العربية إلى أن الإرهاب العشائري يعتمد على تجنيد النساء والأطفال مثلما كان يفعل الخمير الحمر، واستخدام الأطفال وتوظيفهم كجنود، كما فعل "جيش الرب" بنسبة قدرت بنحو 90% من إجمالي مقاتلي جيشه.
وتُعد الموجة الخامسة من الإرهاب موجة محلية وليست دولية، حيث تضم جماعات قائمة على الانتماءات العرقية والإثنية، لذا وصفها الكاتب بأنها تمثل نوعًا من "العشائرية الجديدة"، ويفرض ذلك الأخذ في الاعتبار السياقات والظروف الداخلية أكثر من التركيز على الظروف الدولية عند دراسة هذه الموجة من الإرهاب.