الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إعلام التوك شوز.. ميديا المصالح!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما كانت هوية الإعلام في أي مجتمع من المجتمعات هي أنه صاحب الرسالة النبيلة والسامية التي تستهدف الارتقاء بالوجدان وتثقيف الإنسان والارتقاء بسلوكياته وتهذيب الذوق العام -الذي شهد انحدارًا غير مسبوق وتراجعًا في السنوات الست الأخيرة في مصر- وتشكيل الوعي الصحيح وغيرها من الغايات التي تصب في المصالح العليا للوطن، وتسهم بشكل مباشر في تنميته والارتقاء به من خلال الالتزام بالأخلاقيات والمهنية في العمل. 
والإعلام ينبغي أن يضم نخبة متميزة من المثقفين بجد، ومن الإعلاميين الذين استطاعوا الجمع بين مهنة الإعلام من حيث النظريات والمعارف العلمية، والخبرة التي تثقلها الممارسة العملية وليس مجرد شهادة –مضروبة- للالتحاق بالنقابة التي تمنح رخصة المزاولة الصحفية والإعلامية، بل يجب التدريب الجيد على ممارسة المهنة وربما التفرغ لها، وفي كل مجالات الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.. وبهؤلاء الإعلاميين نهض الإعلام ونجح في تحقيق رسالته وغايته النبيلة المبتغاة، لكن الواقع المؤلم الذي نعيشه يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا نعيش فوضى إعلامية ليس لها مثيل، وإعلام يملي علينا شروطه بقوة ويمارس بلا ضوابط وأحكام فقد بات إعلامنا مجالا للمتسلقين والمزايدين وأصحاب الهمبكة الإعلامية الذين يمارسون الفهلوة والمحسوبية، ويقتحمون العمل الإعلامى بالوساطات والعلاقات النفعية المتبادلة مع الآخرين –شيلنى واشيلك- ويخترعون مصطلحات جديدة غير مفهومة، والتى تسعى جمعية «حماية المشاهدين»، التى يرأسها الأستاذ الدكتور حسن على، الخبير الإعلامي، لرصدها وتوثيقها، ومن هذه المصطلحات: «الرونق العام» و«السلم العام» و«الأمن الاجتماعي» و«الاستقرار الدولي» و«عمل نفسه من بنها» و«السلام الاقتصادى والسياسي» و«نشر مناخ تشاؤمي» و«الأخبار المحبطة» و«المثبطة» و«الأخبار المنشطة» و«الأخبار الساخنة» و«الناشط السياسي» و«الدكتور الناشط الجنسي» و«طفلة البامبرز» و«الأستاذة الجامعية الراقصة» و«برامج الهري» و«برامج النميمة والنفسنة والفسفنة» و«البرامج الجريئة» و«أجرأ قناة في الوطن العربي» و«حوارات بدون سقف».. و«برامج صراع الديوك» و«مذيع حريقة» و«المذيع النجم».. و«جماعة الخرفان الإرهابية» و«قناة الخنزيرة الإسرائيلية»..! وغيرها من المصطلحات التي لا يتسع المقال لذكرها، والتي تؤكد مدى الفوضى الإعلامية التي نعيشها! فأصبحت مهنة الإعلام مهنة من لا مهنة له، أو مهنة إضافية لكل من هب ودب، فأصبح كل من يعتزل كرة القدم يهرول سريعًا إلى برامج التوك شوز لكى يقدم برنامجًا رياضيًا أو تحليلاً لمباراة كرة قدم من منطلق نظام «السبوبة» أو «النحتاية»، ومنهم من يطلق على نفسه مؤسس الإعلام الرياضي في مصر والوطن العربي! ومن المحامين من يخترق الإعلام وبرامج التوك شوز. 
كما يهرول أهل الفن والمزمار إلى تقديم برامج توك شوز سياسية، والتوسع فيها، وتصديهم للتحليل السياسي أحيانا، ناهيك عن دخول الطباخين مجال الإعلام حتى صاروا شخصيات عامة الآن، وانتشار البرامج التافهة مثل «برنامج الثلاثي»، فضلا عن سعي إحدى الراقصات إلى تقديم برنامج ديني في رمضان المقبل! حتى وصل الأمر إلى إعلان أستاذة الجامعة «الراقصة» ترشحها لرئاسة الجمهورية ٢٠١٨، تحت شعار: «هدلع الشعب المصري.. والرقص هو الحل»!! ويفترض أن يحافظ الإعلام على أصالة المجتمع وثقافته وأخلاقياته. وقد اهتم المتخصصون بالعلوم الإنسانية المختلفة بإعطاء أهمية كبيرة للأخلاقيات المهنية على أساس أن لكل مهنة أخلاقياتها. 
وقد وضعت النظم السياسية المختلفة فى العالم سياسات إعلامية متنوعة تنسجم مع أهدافها وتوجهاتها وتطلعاتها، إدراكًا منها لأهمية الإعلام وما يؤدي من وظائف كبيرة وخطيرة فى المجتمع، إلا أن ما يحدث لدينا من ممارسات يجافي كل هذا وذاك، وقد قدمت بعض المقترحات لترقية الأداء الإعلامي فى القنوات الإعلامية المختلفة، وتعزيز التزام القائمين عليها من إعلاميين ومحررين وناشرين بهذه الأخلاقيات والجوانب المهنية في العمل الإعلامي عامة، كما أطلق الاتحاد الدولي للصحفيين عام ٢٠٠٤، مبادرة «الصحافة الأخلاقية الدولية» بهدف التأكيد على الوعي بهذه القضايا ضمن المؤسسات والهيئات الإعلامية المهنية، وقدمت جمعية «الصحفيين المحترفين» في أمريكا ديباجة قانونية وأخلاقية، ترتكز على ضمان حرية الصحفيين وتحقيق العدالة بينهم واهتمام الصحفيين بالبحث عن الحقيقة والتغطية الشاملة والعادلة للأحداث والقضايا، وسعي الصحفيين إلى خدمة الجمهور بإخلاص ومصداقية واتقان، بالإضافة إلى أن السلامة المهنية هي حجر الزاوية لمصداقية الصحفي، وفى يونيو ٢٠٠٩، اتفقت مدونات الممارسات على دليل جيب لمواجهة الممارسات الأخلاقية والمهنية، وفيها العناصر المشتركة بين الدول ومن أهمها الالتزام بالدقة والمعايير المهنية لتقديم تقارير واقعية وأهمية وجود محامى القراء والشعب، وأمين المظالم الذي ينظر في شكاوى وملاحظات المجتمع تجاه التجاوزات الأخلاقية والمهنية للصحفيين والإعلاميين، وهي لا تعد ولا تحصى، لا سيما في برامج التوك شوز التي أصبحت تدار بواسطة شركات الإعلانات العملاقة التي تتحكم في المحتوى المقدم واختيار المذيعة «الموزة» أو المذيع النجم الذي يحظى بنسبة مشاهدة لجلب الإعلانات للقناة.. على أي حال؛ فالإعلامي الأصيل المتخصص لا يمكنه أن يعمل طبيبًا أو مهندسًا أو محاميًا أو راقصًا في ملهى ليلي! بينما الأوضاع السيئة للإعلام هي ما جعلت أصحاب مهن أخرى يقتحمون مهنة الإعلام المقدسة، ويعيثون فيه فسادا وإفسادا سواء عن علم أو جهل فلكل مقام مقال من أجل الحفاظ على المهنة، التي ضاعت من سنوات عدة، ولم يتبق منها سوى أشلاء ومسميات فقط تحتاج إلى إعادة الهيكلة من جديد، وهو ما يلقي بالمسئولية الكبرى على المجلس الأعلى للإعلام الجديد وهيئتيه «الوطنية للصحافة والإعلام»، وهذا المجلس نتمنى أن نرى منه ممارسات وطنية بجد وليس كلامًا والسلام.. سلام!
Dr.fatthy2012@yahoo.com