ما زال الوطن المطحون والمستهدف يمشى بثبات ورشاقة على طريق رسمه أعداؤه.. وما زالت الأدوات نفسها تحاصرنا وكأننا فقدنا القدرة على الإبصار.. أيها المسئولون عن الوطن المجروح.. أوقفوا برامج التوك شو التى لا تستهدف سوى الإثارة، والبرامج الدينية التى لا تتناول سوى قشور الدين، وبرامج التفاهات والإلهاء وتغييب العقول.. نحن فى أشد الحاجة إلى التوعية والتعقل.. فكلما استمعنا إلى كلمات سيادة الرئيس نجد إصراره على ترسيخ الالتحام بين جميع أفراد الشعب، وعدم الانقسام والتشتت.. وهو السلاح الوحيد الذى يقينا الفتن والمؤامرات التى تحاك لنا.. ولكن هيهات أن ننجح وهذا الإعلام المتسيب الرديء يملأ الشاشات، ويصنع الفرقة والفتنة.. نرى ما يسىء إلى الدولة أو الدين والتراث والتاريخ والتقاليد ويمر دون اهتمام من الإعلام وأهله، وأخرى يقوم الإعلام ولا يهدأ وتمتلئ البرامج بالصراخ وتبادل السباب.. وبالطبع تنتقل المناقشات إلى المقاهى والنوادى والبيوت، وتسود السوقية والانفعال تصرفاتنا جراء ما امتلأت به رءوسنا، وآخر هذه الأزمات كانت بسبب جزء فى برنامج «المسلمون يتساءلون» للشيخ. سالم عبدالجليل.. ورغم الاعتراض على ما قاله الشيخ. سالم لافتقاده اللياقة والملاءمة، ولأننا لسنا مخولين من الله تعالى بالحكم على إيمان عباده، ومن يدخل أو يخرج من رحمته، ولا فى احتياج للدخول فى عقائد بعضنا البعض، وبخاصة أن العلم فى هذا العصر أصبح متاحا للجميع، ولا يحتاج أحد أن يعلّم غيره، يستطيع كل منا قراءة ما يشاء من ديانات وعقائد ويختار ما يريد.. ولكن سقط الشيخ الجليل فى خطأ فادح رغم غزارة علمه ووسطيته وانتمائه الوطنى، وبخاصة تصريحاته المسجلة ضد الإخوان بعد ٣٠ /٦.. ولكن لكل جواد كبوة ونحن فى زمن فتنة ونحتاج ما يجمعنا ولا يفرقنا.. ونريد تضميد جراح أهلنا المسيحيين مما أصابهم من استهداف على أيدى خوارج العصر والغوغاء الذين ينتمون ظلما إلى الإسلام.. وبخاصة أن بطولة المسيحيين وصبرهم ومحبتهم حتى لمن يعتدى عليهم نراها بأعيننا وتؤسر قلوبنا.. وقد اعتذر الشيخ سالم بشجاعة وهو أكثر المضارين من كلماته، بفقد عمله فى قناة «المحور»، ومنعه من الخطابة، بالإضافة إلى البلاغات التى تلاحقه بازدراء الأديان، إلى جانب سماعه الكثير من الإساءات فى حقه وحق الأزهريين المستهدفين طوال الوقت، ولم يظهر على الفضائيات للتبرير أو الجدال، وهو ما يقدر للرجل، ثم فوجئنا بعودة الانفعال والاشتعال، وذلك لما كتبه الشاب الأزهرى «عبدالله رشدى»، إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة، والذى أيد تصريحات الشيخ سالم فى تدوينه على «تويتر»، وقد أخطأ أيضا لوقوعه فى الفخ نفسه، لأن تدوينات مواقع التواصل أو الفضائيات لا تصلح لأن تكون منبرا للتفسير وشرح الآيات والحديث فى الدين، ربما أخذته الحمية، أو تأثر بالهجوم الشرس الذى أصاب الشيخ، والذى جعل العديد ممن كانوا ضد ما قال يتعاطفون معه لما أصابه، وخاصة أن هذا الشاب الأزهرى عرفناه من خلال البرامج مدافعا عن الأزهر ورجاله بحماس وهى طبيعة الشباب، حتى فوجئنا ببرنامج «على مسئوليتى» الذى استضاف الشيخ رشدى وجميع الآراء الممثلة، ولكنه أتاح الفرصة للهجوم الضارى عليه سواء من الضيوف داخل الاستوديو أو من خلال المداخلات التليفونية دون منحه حق الدفاع عن نفسه وتوضيح موقفه، وكان من ضمنها ما قاله أحد مسئولى وزارة الأوقاف بأن الشيخ. رشدى سوف يحاسب لأخطاء إدارية، ولأنه تغيب أو لم تتم الموافقة على إجازه عارضة.. ولم يهتم بتنظيف المسجد!!.. وبعدها تحدث وزير الأوقاف نفسه لينفى معاقبته لأسباب إدارية، ويؤكد أنها بسبب تصريحاته، ثم يهاجمه على قبوله بمناداته باللقب العلمى «دكتور»، وهو لم يناقش رسالة الدكتوراه!!.. وكأن فضيلة الشيخ. مختار لم يسمع ذلك النداء إلا الآن!!..وهو ما أشعر الكثير بأن المقصود هو ذبحه!!.. ويا ليتهم بذلك يخمدون الفتنة، ولكن بالعكس يزيدونها؛ لأن المبالغة فى الهجوم تكسب التعاطف معهما.. بالإضافة إلى أن هناك الكثير من التصريحات السابقة لشيوخ وقساوسة وعلماء من الطرفين دخلوا فى منطقة تكفير كل منهم للآخر، فى برامج مسجلة بقصد التفسير اللغوى للكلمة، دون أن يقصد أىٌّ منهم الإساءة إلى الطرف الآخر، وهو ما برره الشيخ. رشدى بأن وصف «كفر» سواء للمسلمين الذين يكفرون بأن المسيح هو الله أو المسيحيين الذين يكفرون بالعقيدة الإسلامية لا يعنى تحقيرا لأىٍّ منهم، وأنهم يحاولون بشرحهم لمعنى الكفر أن يفكوا الارتباط الذى زرعته الجماعات المتطرفة فى عقول الناس بين الكفر والقتل.. وبالتالى ينصبون الآن المشانق للشيخين لكلام سمعه المسلمون والمسيحيون مرات عدة دون أن تتم معاقبة من قاله.. فالخطأ الأكبر على الدولة لأنها لم تمنع حتى الآن الكلام عن الأديان على الشاشات، رغم ما يسببه من احتقان وفتنة.. فكفانا الفوضى التى تحاول إشعال الفتن بين طوائف المجتمع، فالإسلام والمسيحية فى غنى عن أن يدافع عنهما أحد، ولنترك الحديث فى الأديان لأهل العلم فى حلقات العلم والدراسة، وكما قال أحمد شوقى عن المسيحيين: «نعلى تعاليمَ المسيحِ لأجلهم.. ويوقِّرون لأجلنا الإسلاما..الدِّينُ للدَّيّانِ جلَّ جلالُه.. لو شاءَ ربُّكَ وَحَّدَ الأَقواما.. يا قومُ، بانَ الرُّشدُ فاقْصُوا ما جرى.. وخُذوا الحقيقةَ، وانبذوا الأَوهاما.. هذى ربوعكمُ، وتلك ربوعنا.. مُتقابلين نعالج الأَياما.. هذى قبوركمُ، وتلك قبورنا.. مُتجاورينَ جَماجمًا وعِظاما.. فبحُرمةِ المَوْتَى، وواجبِ حقِّهم.. عيشوا كما يقضى الجوارُ كراما».
rasha_ysz@yahoo.com