الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أسعار مجنونة.. وعقول شاردة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ماذا جرى؟.. أبصار زائغة ووجوه تائهة وعقول شاردة وهموم بلا حدود.. وينشغل رب الأسرة بالتفكير فى كيفية تدبير كوب لبن لأطفاله كل صباح مع بيضة مسلوقة أو «حتة جبنة» ورغيف عيش، كمكونات ضرورية لحياة الطفل وبناء جسده وعقله أيضًا.. ويزداد التفكير فيما يعانيه وما تحمله الأيام مع قرب حلول شهر رمضان، وسط ارتفاع فى الأسعار فاق كل المعقول، وتصريحات غير مسئولة من كل المسئولين، يبيعون من خلالها الوهم عبر وعود لا تجدى نفعًا، فى ظل قرارات حكومية متتالية كانت سببًا رئيسيًا وأساسيًا فى الارتفاع الجنونى للأسعار.
وكما يقولون: «شهد شاهد من أهلها».. هل قرأتم تصريحات الدكتورة نيفين القماح مساعد أول وزير التضامن الاجتماعى للحماية الاجتماعية والتنمية؟.. قالت: «معدلات الفقر تتزايد وتجاوزت ٢٧٪ من عدد السكان من بينهم ٥٧.٧٪ فى الصعيد، بنسبة زيادة ٧٪ علي العام الماضي، وأن سعر الغذاء ارتفع ٤٠٪، لتنفق الأسرة ٧٠٪ من دخلها على الطعام».
ماذا تريدون أيها السادة؟، ومتى تعترفون بأن سياساتكم تزيد الفقر وترهق الناس، ولم يعد يجدى إطلاقًا تلك التصريحات التى يطلقها عدد من الوزراء صباح مساء، وهم أول من يعلمون أنها «كلام فى كلام» ومزايدات على أوجاع الناس بلا رحمة وبلا إحساس بالمسئولية، التى أقسموا على توليها. 
وبين هذا وذاك، يخرج علينا وزير القوى العاملة بتصريحات تحت دعوى حماية حقوق العمال المصريين فى الخليج، فإذا به يتولى مهمة مقاول توريد أنفار عبر الإعلان عن كذا وظيفة بالخليج لحدادين وسباكين وكهربائية ونجارين مسلح وغيرها من الأعمال الحرفية المحترمة، لنتحسر على زمن كان فيه وزير العمل صاحب «شنة ورنة» عندما ارتفع معدل العمل والإنتاج ودار المكن بالخير لمصر وشعبها وعمالها، قبل أن يعمل التجريف المتعمد عمله فتغلق مصانع وتباع شركات وتضيع حقوق ويشرد الآلاف ويتوقف الإنتاج ويزداد الاستيراد لصالح حفنة من كبار القوم على حساب الاقتصاد المصرى والصناعة المصرية.
وأخيرًا، فيما يبدو، تنبهت الحكومة الميمونة لمأساة المصانع المتوقفة، وأعلن وزير الصناعة عن رصد ١٥٠ مليون جنيه لتشغيلها، ورغم ضآلة المبلغ المرصود فهى خطوة تأخرت كثيرًا، وكانت تستحق أن تكون القرار الأول لكل مسئول فى هذا الوطن، ولكن نعمل إيه فى الأولويات المقلوبة على دماغنا وعلى دماغ الأجيال القادمة؟.
ووسط ذلك كله، يخرج علينا نائب بمشروع قانون ينص على «إعدام الموظف المهمل»، لكنه لا يجيب عن سؤال جوهرى يقول: وماذا عن الوزير الذى حنث بالقسم الدستورى، ولم يسهر بشكل حقيقى على رعاية مصالح الشعب، و«معرفش بصراحة أين سهر سيادته؟». 
ما بال هؤلاء القوم؟ شغلونا ويشغلون الناس بأمور غريبة ويتركون القضايا الرئيسية.. البرلمان أمامه، منذ انعقاده، مهمة ثقيلة تتمثل فى إصدار القوانين المكملة للدستور، ورغم مرور أكثر من عام ونصف العام على انعقاده، فإن معظم هذه القوانين قد طواها النسيان، واهتم نواب بعينهم بالسعى نحو تمرير قوانين بعينها، أثارت ولا تزال قلقًا لا ينتهى، وسط إصرار عجيب مريب على إصدارها، ولعل أهمها ذلك القانون الذى صدر رغم أنف الجميع والمتعلق باختيار رؤساء الهيئات القضائية، والتى كان يتم بسلاسة متناهية، وفق الأعراف المستقرة ووفق النصوص القانونية، لكن أحدهم اكتشف أن قامة قضائية كبيرة يستحق صاحبها منصب رئيس هيئة قضائية عريقة، فجرى تفصيل القانون لاستبعاده بعد عدة أحكام أصدرها وحازت رضا غير مسبوق من الشعب، لكنها بالطبع سببت صداعًا لأولى الأمر، فتفتقت الأذهان إياها عن ذلك النص مهما كانت تداعياته وأخطاره على المجتمع.
ولا يزال نائب آخر يسعى نحو إصدار قانون يتعلق بطريقة اختيار شيخ الأزهر، إلا أن كثيرين من زملائه تنبهوا لمرماه السيئ، كما كان الاستقبال الحافل الذى قوبل به الدكتور أحمد الطيب فى احتفال عيد العمال رسالة لمن يريد أن يفهم، لكننا لم نسمع عن طرح قضية ذلك الحزب الظلامى الذى يخالف وجوده الدستور ويتركونه يمرح كيفما يشاء وينشر تنظيمه المسمى «الدعوة السلفية» فتاواه التكفيرية ويحظى برعاية واحتضان من جهات معينة فى الدولة، أمنية وغير أمنية، لمجرد أنه مارس نفاقًا بلا حدود وحشر نفسه وسط صورة ٣٠ يونيو، وهو ما تناولناه تفصيلًا فى مقالين سابقين، ويستحق أن نعود إليه فى مقال قادم، حتى تتطهر الأوطان من دعاة الفتنة والذين يمثلون «الأب الشرعى» لكل فتاوى التكفير التى تزرع الحقد والكراهية وسط بعض الشباب فيرتكبون ما يرتكبونه من أفعال.
حان الوقت لوضع النقاط فوق الحروف وتحت الحروف وفى مكانها الصحيح على كل الكلمات، وبصراحة لا أجد أفضل من استعارة فقرة كتبها المفكر الاقتصادى والمناضل السياسى الراحل الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله فى بحثه المعنون «مصر التى نريدها»، ويقول فيها: «ليس للضعفاء صوت فى عالم اليوم، ولكنهم يستردون صوتهم إذا جعلوا من ضعفهم ذاته وقودًا للطاقة الوطنية التى تريد التحرر الكامل.. والمقاومة المباشرة للفقر والسعى نحو إعادة توزيع الدخل القومى.. إن قضايانا السياسية والاقتصادية والاجتماعية متداخلة، تتطلب العلاج الجامع الذى يحرر طاقات الشعوب».. فقط لكم أن تتخيلوا أن أستاذنا العظيم كتب هذا الكلام عام ١٩٩١.. وسلامًا على الصابرين.