فى إطار المؤتمر العلمى الثانى للمعهد الكندى للإعلام والذى أُقيم تحت عنوان: «أثر الإعلام الجديد على المجتمعات العربية: دراسات فى الواقع ورؤى المستقبل» برئاسة د. ماجى الحلوانى عميد المعهد، عُقدت ظهر الخميس قبل الماضى الرابع من مايو حلقة نقاشية مهمة بعنوان: «ضبط الأداء بين الممارسات الإعلامية والأخلاقيات المهنية» أدارها د. شريف درويش اللبان أستاذ الصحافة وتكنولوجيا الاتصال ووكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة، وقد شَرُفت الحلقة بافتتاحها بكلمتيْن مهمتيْن لأستاذتى الدكتورة ماجى الحلوانى عميد المعهد الكندى للإعلام وعميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق والأخ الأكبر العزيز د. حسين أمين أستاذ الإعلام بالجامعة الأمريكية.
وشارك فى الحلقة نُخبة من الخبراء هم: على التركى مدير تحرير «البوابة نيوز»، الكاتب الصحفى وليد بدران صاحب التجربة المميزة فى تحرير «بى بى سى عربية»، والكاتب الصحفي محمد الشيخ، وعلاء الغطريفى مدير التحرير العام لمجموعة «أونا» للصحافة والإعلام، ونصر عبده مدير تحرير «البوابة نيوز».
كما حضر الحلقة نخبة من أساتذة الإعلام بالمعهد الكندى للإعلام وكليات وأقسام الإعلام بالجامعات المصرية الخاصة والحكومية.
فى بداية الحلقة النقاشية، قام د. شريف درويش اللبان بتوصيف الحالة الراهنة للإعلام المصرى، حيث ذكر أن الإعلام بوضعه الحالى هو انعكاسٌ لحالة المجتمع بكل دقائقها وتفاصيلها، وهى حالة تتسم بالانفلات.. انفلات الشارع والمجتمع والمؤسسات، وهو ما أدى إلى طغيان أفلام ومسلسلات البلطجة والعشوائيات وانتشار وصلات «الردح» فى برامج التوك شو، وإثارة موضوعات تافهة لا هدف من ورائها سوى الإثارة الرخيصة مثل اغتصاب الأزواج لزوجاتهم، مع وضع عبارة «للكبار فقط» أعلى الشاشة، رغم إذاعة البرنامج فى وقت ذروة المشاهدة، كما أن هذه العبارة لا تصلح للتليفزيون الذى يصل للأسر المصرية فى عقر دارها على العكس من السينما.
كما أشار د. اللبان إلى أن الإعلام انزلق إلى التسلية والترفيه والجرى وراء زيادة معدلات المشاهدة والاستماع وأرقام التوزيع للصحف ومعدلات المرور «الترافيك» للمواقع الإخبارية فى لُهاثٍ محموم لا ينتهي وراء الإعلانات، وهو ما مثل غيابًا معيبًا لدور الإعلام فى الحرب على الإرهاب والفساد، وغيابًا شبه كامل للإعلام التنموى، وإشراك المواطن فى التنمية كشريكٍ أساسى فيها، وبدونها لن تنجح جهود الدولة فى التنمية ومشروعاتها التنموية الكبرى التى تغزو كل قطعة على أرض الوطن.
ولعل المثالب السابقة للإعلام المصرى هى التى تحتم إعادة قاطرة إعلام الدولة إلى العمل بعد أن حاول البعض إحالتها إلى خارج الخدمة والاستعانة بإعلام بديل أثبت الوقت أنه لن يكون قادرًا على أن يقدم منظومة إعلامية بديلة، ولم يحقق النتائج المرجوة منه حتى الآن، رغم الآمال التى كانت معقودة عليه من كثيرين وأنا منهم.
لقد عولنا كذلك على الهيئات الإعلامية الثلاث فى إصلاح منظومة الإعلام المصرى، ولكن حتى الآن تبدو البدايات غير مبشرة، فنحن لم نشهد طموحًا لهذه الهيئات فى ضبط الأداء الإعلامى فى مختلف الوسائل الإعلامية ومنها المواقع الإخبارية ولم نشهد سعيًا لهذه الهيئات لوضع سياسة إعلامية وطنية للدولة المصرية لها أولوياتها وقناعاتها. لقد فشلت الهيئات الإعلامية حتى الآن فى إدارة «الفوضى الإعلامية» التى تضرب بشدة كل ثوابت الدولة المصرية وتوجهاتها الراهنة.
وبدلًا من ذلك شهدنا تنازعًا بين الهيئات الثلاث على المقرات، وشهدنا تنازعًا فيما بينها على الصلاحيات والاختصاصات، بل شهدنا محاولة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للتغول والسيطرة على الهيئة الوطنية للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة باعتباره الوريث الشرعى لوزارة الإعلام، وهو أمرٌ مبنى على تصور خاطئ، ولم ينص عليه الدستور من قريب أو بعيد، وهو الدستور نفسه الذى لم ينص على إلغاء وزارة الإعلام، أو ينص على أن الهيئات الإعلامية أو إحداها هى البديل لوزارة الإعلام.
والغريب أنه لا يوجد إطار لتنسيق العمل بين هذه الهيئات الثلاث وتكامل مقاصدها وأهدافها، بل من الواضح أنها ستعمل وفقًا لأسلوب الجُزر المنعزلة. كما أن الحرب على الإرهاب كان يستلزم ضم جيل من الشباب الممسك بتلابيب التكنولوجيا إلى عضوية هذه الهيئات، فكيف يحارب شيوخٌ من عصر العربات التى تجرها الأحصنة شباب داعش الذين يتسيدون تكنولوجيا الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى ويستخدمونها فى التجنيد والتعبئة والحشد والحصول على مصادر التمويل وإصدار التعليمات إلى الذئاب المنفردة فى كل مكان على خريطة العالم بشكلٍ عام والمنطقة العربية بشكلٍ خاص؟
كيف تقوم الهيئات الإعلامية بدورها فى إيجاد حلول لمديونيات الصحف القومية وماسبيرو، فى حين أن مَن يتولى رئاستها أو مَن تم ضمه إلى عضويتها قد أتى من نماذج اقتصادية Business Models فاشلة ليست أحسن حالًا من المؤسسات الإعلامية المتعثرة؟ كيف يقع اشتباك بين الهيئات على مقر ومكاتب مكيفة وأثاث وثير وأسانسير خاص وسيارات مرسيدس بستائر سوداء، وكأن هذا هو لُب القضية، ومغانم السلطة التى ينبغى استلابها، فى حين أن وزارة إعلام داعش التى ملأت الأرض رعبًا من هذا التنظيم واستطاعت أن تجند آلاف الشباب من أكثر من ٨٠ دولة ليس لها مقر؟، بل إنها وزارة إعلام افتراضية تمارس عملها الإعلامى من خلال شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى، كما كان تنظيم «القاعدة» يمارس عمله الإعلامى من خلال إرسال أشرطة الفيديو المتلفزة إلى القنوات الفضائية من كهوف «تورا بورا». إذا كانت الهيئات الإعلامية ستواجه الإرهاب بهكذا فكر وهكذا أداء.. فإن انتصارنا على الإرهاب سيصبح مشكوكًا فيه، لتصبح الدولة المصرية كلها على المحك.
كما أن تضارب المصالح وتصفية الحسابات ستكون واردة فى اختيار رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات الصحف والمؤسسات القومية لأسبابٍ عديدة ليس هذا محل ذكرها، والأدهى من ذلك أن ثمة تخوفات لدى الصحفيين والإعلاميين من أن هذه الهيئات الإعلامية هدفها مصادرة حرية الرأى والتعبير وتقييد حرية الإعلام وإغلاق المنصات الإعلامية والبرامج المعارضة أو المناوئة لإحكام سيطرة الدولة على المنظومة الإعلامية، وهو ما كان يجب أن تنفيه هذه الهيئات عن نفسها، وكان ينبغى لها أن توضح رؤيتها –إذا كانت لديها رؤية- بالنسبة للحرية المنضبطة والمسئولة كبديل عن الفوضى الإعلامية الراهنة. وعلى العموم تعديلات الهيئات على قانون الإعلام والتى لم تعرض للحوار المجتمعى وتعيينات رؤساء التحرير ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية سيكون هو المعيار الرئيس للحكم عليها.
أما ماذا قال خبراء ومسئولو المواقع الإخبارية المصرية فى هذه الحلقة النقاشية المهمة؟ فسوف نتناوله فى مقالنا القادم.