في الروايات البوليسية الشهيرة "الشياطين الـ13" للكاتب الكبير والرائع محمود سالم، كان زعيم الشياطين شخصية غير معروفة غامضة مبهمة.. صورته مجرد صورة لظل رجل يرتدي نظارة شمسية تخفي ملامحه وفي يده سيجارة مشتعلة.. أطلق عليها اسم رقم صفر .
الجيل الذي أنتمي إليه واطّلع على هذه الروايات حار في شخصية الرجل.. فهل كان ينتمي إلى جهاز مخابرات.. أم لرئاسة عربية.. أم لجامعة الدول.. مات سالم ولم يكشف أبدًا عن حقيقة الرجل.. فظل في مخيلتنا الغامض الذي يرسل الشياطين إلى عمليات قد تقضي عليهم ولا أحد يراجعه .
ظهر أمامي خيال العميل رقم صفر حينما تابعت التحقيقات في قضية مقتل المقدم محمد مبروك، حينما علمت أن مَن شارك في العملية الغادرة ضابط ينتمي إلى نفس دفعة الشهيد في كلية الشرطة وعدد من القيادات داخل وزارة الداخلية.. فنحن أمام تجلي كبير لاختراق إخواني يتمدد منذ سنوات داخل جهاز الشرطة مقابل أموال يحصلون عليها من مخابرات معادية، مثل قطر وتركيا، وقد يكون وصل إلى أجهزة أخرى.. فالأموال المعروضة -حسب معلوماتي- على المتعاونين كبيرة والمقابل قائمة ممتدة تبدأ برأس ضباط جهاز الأمن الوطني.. وصولًا إلى القيادات العليا للدولة وعلى رأسها الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع، المطلوب رقم 1 لدى جماعة الإخوان وشركائها في الإرهاب الدولي .
رقم صفر هذه المرة شرير يستهدف أكبر دولة عربية تمكّنت من تحدّي العالم من أجل التخلص من حكم جماعة إرهابية تريد فرض نفسها بقوة الإرهاب على المصريين.. قد يكون ملتحيا ويمسك في يده مسبحة أو من دون لزوم التمويه والإخفاء والخداع.. لكنه يملك من المعلومات والأموال الكثير ويحرك عرائس لا يرقى إليها الشك مستعدة لعلميات هدم مصر.
لديّ شكوك أن رقم صفر يعيش بيننا.. يسكن جهازا استخباراتيا راقيا.. لكن ولاءه لم يعد لمصر.. وهدفه القضاء على 30 يونيو.. هو آخر مَن يتطرّق إليه الشك ولذلك لا يشعر بالخوف.. فهو أعلى من المراقبة وأرقى من أن يتطرّق إليه الشك.. وهو الأمر الذي يثير الخوف والذعر.. بالإضافة إلى جيل جديد من الشياطين، والذي يصعب أن يتعرّف عليه أحد مثل أحمد عزت المهندس قاتل مبروك، وعضو جماعة الفرقان، والذي أطلق الرصاص في الهواء ابتهاجا بعزل مرسي للتغطية على ما سيقوم به بعد فض اعتصام رابعة .
كل الشواهد تؤكد أننا أمام جيل جديد من الإرهابيين لا يربي ذقنه أو يرتدى الجلباب يسكن القصور ويرتدي أفخم الملابس ويقود أفخم السيارات ولا يعاني من فقر أو جهل كما تعودنا في السابق.. فأحمد عزت شعبان قاتل الشهيد مبروك، ولد وفي فمه معلقة من ذهب، يسكن في حي راقٍ "مصر الجديدة" وكانت نقطة التحول في حياته درس ديني لأحد المشايخ في مسجد بمدينة القاهرة الجديدة، ثم تعرّف على صديق سلفي طالبه في ما بعد بدعم "إخوانه" بالمال.
المفاجأة أن شعبان كان معروفا لدى عدد من ضباط الشرطة بحسن سيرته وأخلاقه، لم يتوقع أحد يوما أن يشارك في تنفيذ عملية إرهابية، ولذلك كان يتحرك براحة شديدة ويقابل أعضاء الجماعات السلفية ويحلم معهم بإنشاء الخلافة في مصر، ثم عرف طريق جماعة الفرقان في مدينة مطروح، وقام بتمويل عمليات شراء السلاح للجهاديين من مهربين عبر الحدود الغربية لمصر مع ليبيا، نظرا لثرائه، وقام بتخزين كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات لاستخدامها في تنفيذ جرائم إرهابية في القاهرة، وهي الأسلحة التي عُثر عليها داخل فيلته التي تبادل فيها إطلاق النار مع قوات الأمن التي ذهبت لضبطه، لتكشف التحقيقات وأقواله بعد ذلك عن أنها الأسلحة التي كانت ستستخدم في استهداف أكمنة تابعة للجيش ووزارة الداخلية، بالإضافة إلى السفن المارة في قناة السويس.
شعبان والمقدم عويس وضابط القوات المسلحة السابق وليد الذي فجر موكب وزير الداخلية، يمثّلون أجيالا جديدة من الإرهابيين يعيشون بيننا.. نجحوا في إخفاء مكنونات صدورهم.. لا تشغلهم لعنة المجتمع بعد عملياتهم القذرة فهناك قطاع موجود الآن يعتبرهم أبطالا وشهداء، ومستعد للدفاع عنهم بخلط الأوراق أو دس المعلومات المغلوطة عبر صفحات التواصل الاجتماعي.. شياطين خسيسة يحرّكها رقم صفر الخائن الذي يحارب مصر كلها من أجل كرسي السلطة.. لكن مصر ستكون مقبرته مهما نجح.. هذا وعد.