دائما ما نجد أن أقرب الحلول التى تطرح على الرئيس لحل مشكلاتنا المختلفة تتمثل فى تشكيل المجالس والكيانات المتخصصة، حتى أصبح لدينا الكثير من المسميات لمجالس ولجان وكيانات مختلفة قديمة وحديثة، دون أن نجد حلولا ملموسة للمشكلات التى تواجهنا.. وبدلًا من أن يكون الشباب هم طاقة التجديد الذين تصطبغ أطروحاتهم بالروح المفعمة بالحيوية والابتكار بعيدا عن النمطية فى التفكير، وجدنا الشباب الذين شاركوا فى المؤتمر الوطنى للشباب الذى أقيم مؤخرا فى الإسماعيلية، يسيرون على الدرب نفسه، والخطى نفسها والمطالب نفسها!!.. فلم يستفيدوا بالشكل الأمثل من تلك الفرصة التى أتيحت لهم بالاجتماع مع رئيس الجمهورية وكل القيادات التنفيذية فى الدولة، وبدلا من أن يطرحوا رؤى جديدة وحلوله واقعية لمشكلاتنا، طالبوا أيضا بتشكيل لجان ومجالس وهيئات!!.. ورغم أن الرئيس استجاب إلى بعض المطالب بتشكيل مجموعات رقابة داخلية بأجهزة ومؤسسات الدولة من الشباب، وتشكيل مجموعة للتحفيز والمتابعة من شباب هيئة الرقابة الإدارية، ومجموعة من البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة لمتابعة التوصيات والخطط، إلا أن رد الرئيس على ما طرحوه بدا منه استنكاره للأطروحات النمطية التى طرحوها، وعدم استحسانه لفكرة إنشاء كيانات جديدة لحل المشكلات، مما جعله يقارن بينهم وبين المسئولين الذين كانوا يتحدثون وكأن لديهم حلولا لكل المشكلات وحين وضعهم فى المسئولية لم يتمكنوا من فعل أى شيء!!.. لأنه يدرك جيدا أن الحلول النظرية لا تصلح لأوضاعنا الحالية!!.. والسؤال: هل إنشاء كيانات جديدة هو الحل لعدم قيام المؤسسات والكيانات القائمة بدورها؟! أم أن المفترض هو البحث فى كيفية تفعيل دور المؤسسات القائمة ومعالجة الأسباب التى تعيقها عن القيام بالدور المنوط بها، وطرح حلولا واقعية لإحداث التكامل بين المجالس المختلفة والوزارات والهيئات حتى لا يظل كل منهم يعمل فى جزر منعزلة، بدلا من مطالبة الرئيس فى كل مناسبة بتشكيل مجالس وكيانات جديدة!!.. لتضاف إلى القديمة وتصبح جميعا عالة على الدولة بدلا من أن تفيدها.. فلا نلمس دورا فاعلا لها ولا نجد سوى مسميات تضفى على أصحابها وجاهة اجتماعية دون دور ملموس.. وإذا تأملنا فى أسباب ذلك سنجد أن من أهم أسباب غياب الدور الحقيقى لهم هو عدم وجود اختصاصات ومهام واضحة لكل منهمه، بالإضافة إلى عدم تفرغ أعضاء تلك المجالس، بل ممارستهم للعديد من الوظائف والمهام وعضويتهم فى المجالس والهيئات واللجان ذات المسميات المختلفة، وبالتالى فهم ليسوا متفرغين لوضع رؤية وسياسات واضحة والإشراف على تنفيذها بالشكل المفترض القيام به، وبالتالى فهم يأخذون تلك العضوية كمكانة اجتماعية وشرف، ومجرد سطر جديد يزين السيرة الذاتية!!.. وإذا نظرنا إلى خبرات الدول الأخرى فى هذا المجال سنجد طبقا لما قاله أ. د. مصطفى علوى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن مؤسسة الرئاسة بالولايات المتحدة الأمريكية بها ١٨ مجلسًا رئاسيًا مكونًا من خبراء ومستشارين، موازين للوزارات ولكنهم يعملون طوال الوقت، ويُطلب منهم العمل على الأهداف الاستراتيجية فى المجالات المختلفة، ويتم وضع التصور ومناقشته بين الرئيس والمجلس وتعديله، ويتم إرسال هذه الرؤية من الرئيس للوزير المختص ويطلب خطة عمل تنفيذية لها، ثم يرسلها للرئيس ويعيد مناقشتها مع المجلس، وإذا لم توجد تعديلات يتم تحويلها للمسئولين حتى تتم ترجمتها إلى الواقع، بعد أن يأخذ رأى المالية ليحدد الميزانية الخاصة بها، ثم يرسلها إلى الوزير الخاص بالتنفيذ. وبالتالى توجد خطة عمل تنفيذية دقيقة تغطى الـ٤ سنوات، هى مدة الرئاسة.. وبالتالى فهم يعتمدون على المجالس الاستشارية فى وضع الرؤى والسياسات، ولكنهم فى سبيل ذلك لا يعتبرون هذا العمل تطوعيا، كما يحدث عندنا، بل يكون أعضاء تلك المجالس متفرغين لعملهم فيها خلال فترة ترشحهم، فيكون عملهم بتلك المجالس هو العمل الوحيد الذى يتقاضون عليه الأجر خلال تلك الفترة، فيتفرغون له ولا يصبح وجودهم مجرد ديكور!!.. كما أن رؤية تلك المجالس لا تكون استشارية، وإنما تكون فى إطار خطة الدولة التى يتم تنفيذها.. فإذا أردنا أن تكون المجالس المشكلة لدينا فاعلة فلا بد من تغيير فكرها وأدائها بدلا من إنشاء كيانات تتضارب فى الأهداف والسياسات وتزيد من البيروقراطية التى نريد أن نتخلص منها.. وإلا لا ننتظر نتائج جديدة.. فالمقدمات نفسها تؤدى حتما للنهايات نفسها.
rasha_ysz@yahoo.com