الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليُبَارِكَ اللهُ مِصْرَ الحَبيبَة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هكذا دعا بابا السلام لمصر السلام، خلال زيارته لها الأسبوع المنقضي، هكذا صلى البابا لمصر، وصلى ملايين المؤمنين فى العالم خلفه لهذا البلد الذى ورد ذكره فى «الكتاب المقدس» ٦٧٠ مرة فى مواضع مختلفة، وإن كان أشهرها على الإطلاق ما ورد فى سِفر أشعيا الذى ورد فيه جزء من آية فى نهاية إصحاحه التاسع عشر يقول: «مُبَارَك شعبى مِصْر».. مِصْرُ التى جاءت إليها العائلة المقدسة هربًا من «هيردوس» الذى كان يريد إهلاك يسوع، فأمر الملك «يوسف النجار» بأن يأخذ الصبى وأمه ويهرب لمصر ويقال إنهم مكثوا فيها ثلاث سنوات ونصف السنة.. وعندما زرت «وادى الملوك» بالأقصر منذ سنوات، اندهشت من وجود رسوم مسيحية على جدران بعض المقابر وبعض آثار الدخان أعلاها، ولكن مرافقى ذكر لى أن الأقباط كانوا يهربون من الرومان إلى هذه المقابر ويقيمون فيها بعيدًا عن جلاديهم بسبب إيمانهم بالسيد المسيح.
ووردت مِصْرُ فى القرآن الكريم فى خمسة مواضع مختلفة بشكلٍ مباشر وصريح: «وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» (القصص: ٧)، «وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (يوسف: ٢١)، «فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» (يوسف: ٩٩)، «وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ قَالَ يَٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِى مِن تَحْتِى أَفَلَا تُبْصِرُونَ» (الزخرف: ٥١)، «وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنَى بِالَّذِى هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (البقرة: ٦١)، كما وردت مصر فى القرآن الكريم بشكل غير مباشر فى عشرات المواضع من خلال الإشارة إلى الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء.
كم كان رائعًا عناق الأزهر والفاتيكان، كم كان دافئًا عناق فضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، كم كان معبرًا أن يُعقد مؤتمر السلام فى أرض السلام بحضور بابا السلام؛ لقد قال البابا، خلال كلمته بمؤتمر الأزهر العالمى للسلام: «لا يخدم رفع الصوت أو زيادة التسليح لحماية أنفسنا، واليوم لا بد أن نكون صانعى سلام، ونحن اليوم فى حاجة ماسة إلى صنع السلام لا إلى إثارة النزاعات، ولا بد أن نكون دعاة تصالح لا ناشرى دمار». كانت هناك رسالة خاصة بعث بها البابا فرنسيس إلى رجال الدين فى العالم أجمع، حيث قال: «إننا كرجال دين مسئولون عن كشف العنف الذى يظهر ويقدم نفسه تحت غطاء دينى ولا بد من أن نكشف حقيقته التى تبنى على الأنانية وليس حب الآخر، ولا بد أن نكشف كل صورة من صور الكراهية التى تعارض حقيقة كل الأديان.. إنه إله السلام..إنه الله السلام.. ولذلك لا يمكن تبرير أى شكل من أشكال العنف باسم الله».
وعن المطلوب من الإنسان أيًا كان فكره واعتقاده أو انتماؤه الأيديولوجى، أوضح بابا الفاتيكان، أنه يجب دحر الأفكار القاتلة والأيديولوجيات المتطرفة والتأكيد على عدم الجمع بين الإيمان الحقيقى والعنف، ولا يمكن الجمع بين الله وأفعال الموت، مشيرًا إلى أن التاريخ يكرم صانعى السلام الذين، بشجاعة وبدون عنف، يناضلون من أجل عالم أفضل، مضيفًا: «طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون».
ودعمًا لكل جهد يبذل فى العالم لإحلال السلام وتحقيق التقدم والرقى وصنع الحضارة، قال البابا فرنسيس: «التنمية والسلام والازدهار هى خيرات لا يمكن التنازل عنها وتستحق جميع التضحيات.. وهى غايات تتطلب العمل الجاد والالتزام الثابت وتتطلب الاحترام غير المشروط لحقوق الإنسان كالحق غير المشروط بين جميع المواطنين وحرية الدين والتعبير دون أى تمييز».
وبحثًا عن تذكير الإنسانية والبشر أجمعين بأهم الرسائل التى تحملها الأرض، أكد بابا الفاتيكان، أن الرب يرغب فى سعادة أبنائه ولا يطلب العنف بل على العكس يرفضه وينبذه، حيث هو الإله الحقيقى الذى يدعو للمحبة غير المشروطة، والاحترام المطلق والأخوة بين أبنائه، وتابع: «من واجبنا أن نؤكد أن التاريخ لا يغفر لمن ينادون بالعدالة ويمارسون الظلم»، كما قال موجهًا حديثه للرئيس عبدالفتاح السيسى: «فخامة الرئيس قلت لى قبل عدة دقائق إن الرب هو رب الحرية وهذه هى الحقيقة».
لقد لخص بابا الفاتيكان مكانة مصر بعبارةٍ واحدة، غالبًا ما تلوكها ألسنتنا دون أن نعيها، قال إن «مصر أم الدنيا» ترحب فى الوقت الحاضر بالملايين من اللاجئين القادمين من بلدان متعددة مثل سوريا والسودان والعراق وإريتريا، وتحاول أن تدمج هؤلاء اللاجئين فى المجتمع المصرى من خلال جهود كبيرة. وأضاف بابا الفاتيكان، أن مصر بفضل تاريخها وموقعها الجغرافى الفريد تلعب دورا لا غنى عنه فى الشرق الأوسط، وبين البلدان التى تبحث عن حلول للمشاكل الملحة والمعقدة التى تحتاج إلى معالجة فورية لتفادى الانحدار فى دوامة عنف أكثر خطورة، متابعا خلال كلمته بفندق الماسة، أن مصر فى نفس الوقت تبنى السلام بيد وبالأخرى تحارب الإرهاب، مدعوة لكى تثبت – قائلا باللغة العربية: إن «الدين لله والوطن للجميع».
لا يمكن أن تصل البشرية للسلام دون الاعتراف بدور الدين فى هذه العملية، لذلك لابد من السعى للوصول إلى الله، كما يجب مواجهة التناقض الخطير، الذى يسعى إلى تحديد دور الدين وإبعاده عن الدور الحضارى والمدنى، مشددا على ضرورة الحديث عن خطورة التمييز بين الدين والسياسات.
إن مصر مباركة فى القرآن والإنجيل، إن مصر مباركة بدعوات وصلوات البابا فرنسيس بابا الفاتيكان والبابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر وخلفهم ومعهم دعوات وصلوات كل المؤمنين بالعالم، مصر مباركة بأجراس كنائسها ومآذن مساجدها، مصر مباركة بدعوات الصائمين الذين أفطروا منذ أيام قليلة، وبدعوات المفطرين الذين يصومون شهر رمضان بعد أيام قليلة.
مُبَارَك شَعبى مِصْر.. وليُبَارِكُ اللهُ مِصْرَ الحَبيبَة.