أراد الطبيب البيطرى محمد بديع المرشد العام للإخوان، أن ينقذ الرئيس مرسى مما هو فيه من إخفاقات متتالية، وأن يشغل الرأى العام عن حركة تمرد، وعن دعوات التظاهر التى تروج لها مع جبهة الإنقاذ ومع كل معارضى مرسى، ففكر فى نزع فتيل كل هذا بتغيير وزارى مرتقب فى حكومة الدكتور هشام قنديل، وأشاعت الصفحات الإخوانية على مواقع التواصل الاجتماعى، أن التغيير ربما يطول حقائب سيادية كوزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى، والذى سطع نجمه بقوة وأصبح اسمه يتردد على ألسنة الجميع كمنقذ للوطن من حكم الإخوان، بل ثمة من ذهبوا ـ كما ذكرنا فى المقال السابق ـ إلى مكاتب الشهر العقارى وحرروا توكيلات رسمية له كى يدير شئون البلاد، وقيل أيضًا: إن وزير الداخلية محمد إبراهيم سيتم تغييره، وهو من تم تعيينه فى شهر يناير ٢٠١٣ أى لم يمر عليه أكثر من خمسة أشهر فقط، وأشيع كذلك أن قنديل سيستعين فى الوزارة الجديدة بوزراء لا ينتمون إلى تيار الإسلام السياسى، كنوع من التوازن، ولم الشمل وإطفاء نيران الغضب المشتعلة فى كل أرجاء مصر بعد الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى فى نوفمبر ٢٠١٢، وتم تكليف المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد ومرشح الإخوان الأول للرئاسة بمقابلة المرشحين للحقائب الوزارية المختلفة، وذلك فى مبنى مكتب الإرشاد بالمقطم، ورغم سرية اللقاءات إلا أن كاميرات الهواتف المحمولة لبعض الصحفيين وشباب جبهة الإنقاذ استطاعت أن تلتقط سيارات الزوار ووجوههم، فتم تسريب الأسماء التى التقت الشاطر والتى التقاها فيما بعد الدكتور هشام قنديل فى القرية الذكية، وهو نفس المكان الذى كان يلتقى فيه الدكتور أحمد نظيف الشخصيات المرشحة للوزارة إبان حكم الرئيس مبارك، وفى هذا التوقيت الذى كان يتم فيه اختيار الوزراء الجدد، كان مرسى يدعو قادة الأحزاب السياسية وبعض الشخصيات العامة لاجتماع عاجل، وذلك لمناقشة كيفية التعامل مع إثيوبيا التى قررت الشروع فى بناء سد النهضة، وقد تم عقد هذا الاجتماع بناء على مشاورات تمت بين مرسى وأسعد شيخة وأحمد عبدالعاطى وعصام الحداد والدكتورة باكينام الشرقاوى مساعدة الرئيس للشئون السياسية، والتى طلبت من وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود إذاعة هذا الاجتماع على الهواء مباشرة بأمر من الرئيس وذلك لهدفين: الأول هو الاستمرار فى سياسة شغل الرأى العام بقضية محورية، وهى قضية المياه وإبلاغ الشعب من خلال هذا الاجتماع أن مصر على وشك الدخول فى خيار عسكرى يستلزم وحدة الصف ونبذ الخلافات والابتعاد عن دعوات التظاهر وحركة تمرد، وجمع توقيعات سحب الثقة، فالشعب يحب أن يقف خلف الرئيس فى هذه القضية المهمة، وأما الأمر الثانى فهو إظهار مرسى كرجل ديمقراطى يستمع لكل الآراء فى القضايا المصيرية، وينصت جيدًا للمعارضة، وفى الثانى من يونيو ٢٠١٣ تم بث هذا الاجتماع التاريخى على الهواء والذى يعد فضيحة كبرى ومهزلة لا مثيل لها فى تاريخ مصر، حيث أظهر المستوى العقلى الهزيل لكثير ممن نسميهم بالسياسيين فى مصر، فقد اقترح الدكتور أيمن نور رئيس حزب الغد وأحد قادة المعارضة ومرشح الرئاسة فى ٢٠٠٥ أمام الرئيس مبارك، أن تطلق مصر شائعات عن امتلاكها طائرات متطورة تستطيع بها هدم السد، وهذه الشائعات ـ حسب قوله ـ من شأنها بث الرعب فى نفوس الشعب الإثيوبى فيتراجع عن بناء السد، واقترح آخر أن ترسل مصر بعض رجال المخابرات لإثارة القلاقل الداخلية بين القبائل هناك، وأفتى ثالث بأن تدعم مصر المعارضة لتفتيت الدولة هناك، بينما ردد رابع «وفيها إيه لما نطلع طيارتين يخوفوا الإثيوبيين»، وأخذ الدكتور عمرو حمزاوى يعيب على رفاقه من قادة جبهة الإنقاذ عدم حضورهم هذا الاجتماع المهم والخطير، وفى مشهد مضحك للغاية طلب مجدى حسين رئيس حزب العمل، أن يقسم الجميع على عدم تسريب تفاصيل هذا الاجتماع للإعلام، وهنا أبلغه أحد الجالسين بأن الاجتماع يذاع الآن على الهواء، فتدخلت الدكتورة باكينام الشرقاوى معتذرة للجميع عن عدم إبلاغهم بأمر الإذاعة، ولا شك أن هذه الواقعة قد تسببت فى حرج شديد لمصر، لا سيما بعدما تناقلته وكالات الأنباء العالمية وأصبح مثار سخرية الدنيا بأسرها، وفى اليوم التالى صرح الرئيس السودانى عمر البشير بأن هذا الاجتماع قد تجاوز كل الخطوط الحمراء، وأعلنت إثيوبيا رفضها التام لكل ما جاء فى هذا الاجتماع، وتم استدعاء السفير المصرى هناك وإبلاغه اعتراض الحكومة الإثيوبية على ما حدث خاصة فكرة التلويح باستخدام القوة أو الوقيعة بين أفراد الشعب الإثيوبى، ويبدو أن مرسى وأعوانه لم يفكروا فى الكوارث التى قد تحدث عند إذاعة هذا الاجتماع على الهواء، حيث ظنوا أنه سيكون للاستهلاك المحلى لا أكثر ولا أقل، ولم يدر فى خلد أحدهم أن العالم صار قرية صغيرة، وأن الأخبار تنقل فى لمح البصر، وقد عكس هذا الاجتماع العشوائية التى تدار بها الأمور فى مصر، فالرئيس يناقش قضية كبيرة مع مجموعة من السياسيين غير المتخصصين، وجميعهم يفكر بطريقة تنم عن سذاجة واضحة، كما أن مرسى لم يستعن بأهل الخبرة من علماء الرى والمياه وبناء السدود والكهرباء، فضلًا عن عدم وجود قادة القوات المسلحة والمخابرات أو خبراء العلاقات الخارجية، وللحق فإن مصر كانت تدار بهذه العشوائية.. وللحديث بقية.
آراء حرة
بداية النهاية «6»
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق