لو اجتمع كبار العلماء والباحثين في كبريات شركات صناعة الدواء متعددة الجنسيات، من أجل الاعتكاف على اختراع عقار يعالج عقم الحكومة المصرية؛ لكان الفشل النتيجة المحققة لذلك العقار مهما كانت درجة فعاليته.
فالأجزاء المسئولة عن إنتاج هرمونات الخصوبة الإبداعية في جسد الحكومة، مصابة جميعًا بالضمور والتلف بعد أن تحول الروتين والفساد إلى أمراض سرطانية، تفشت في أغلب أعضاء جهازها الإداري.
عبر عن تلك الحقيقة المرضية الرئيس عبدالفتاح السيسي أثناء إشارته إلى عجز وزراء الزراعة والري عن تحديد الأراضي الصالحة لمشروع المليون ونصف المليون فدان طوال السنوات الماضية، وبقراره تشكيل مجموعات رقابية داخل جميع مؤسسات الدولة، لتكون بمثابة مشرط جراحي يستأصل تلك الأورام، التي جسدتها بوضوح نتائج اجتماع رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل مع أعضاء مجلس إدارة المجلس القومي لشئون الإعاقة، الأحد الماضي، طبقًا للتصريحات الصحفية التي صدرت عقب الاجتماع؛ فقد تمت مناقشة مبادرة الرئيس بشأن تخصيص عام ٢٠١٨ لذوي الإعاقة، وتمخض ذاك النقاش الذي جمع عليه القوم في البيروقراطية المصرية، عن قرارات كشفت كيف أن رحم الجهاز التنفيذي أضحى عفنًا مليئًا ببكتيريا الجمود؛ فكما جاء على لسان الوزيرة غادة والي تقرر إنشاء لجنة بوزارة الصحة لتهتم صحيًا بذوي الإعاقات الأربع البصرية والحركية والسمعية والذهنية، رغم أنه في ذات الوزارة إدارة كاملة تتولى كل ما يتصل بصحة ذوي الإعاقة بدءًا من مرحلة الاكتشاف والتدخل المبكر وصولًا إلى برامج التوعية.
القرار الثاني، وبحسب والي أيضًا تشكيل لجنة أخرى بوزارة التعليم العالى لدمج الطلاب ذوي الإعاقة، رغم أن الأمر لا يحتاج سوى لتفعيل بعض القرارات والقوانين ومواد الدستور. ولا أدري لماذا لم يتفق المجتمعون على تشكيل لجان أخرى في التربية والتعليم الغارقة في مستنقع الجهل؟ فما يخص مدارس ذوي الإعاقة أو ما تعرف بالتربية الخاصة، ووزارة التضامن الاجتماعي ذاتها التي أكل موظفوها الأخضر واليابس في مراكز التأهيل المهني والاجتماعي التابعة للوزارة، حتى أنها لا تصلح لتأهيل المعاقين في العصر الحجري، بالمناسبة أرجو أن تصل إليها المجموعات الرقابية التي أعلن عنها الرئيس لتستأصل الكروش الممتلئة بالمال الحرام، مبادرة الرئيس بشأن عام ٢٠١٨ جاءت مصاحبة لاستجابة فورية وغير تقليدية لطلب الشاب المعاق أحمد رأفت الالتحاق بالقوات المسلحة، ليخدم قدر استطاعته إلى جانب أشقائه الجنود والضباط دفاعًا عن أرض الوطن، تصرف الرئيس أكد قناعته بقدرة أى مواطن حتى لو كان معاقًا الإسهام في حماية تراب وطنه بين صفوف جيشه، ولم يحتج الأمر منه تفكيرًا طويلًا، لكن الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع المبادرة، لا تنبئ أنها ستكون على قدر وعي الرئيس بحجم المشكلة التي يعانيها ذوو الإعاقة، والأسلوب الذي ينبغي معالجتها به.
اللافت أن الدكتورة غادة والي قالت في تصريحاتها للصحفيين إنه سيتم وضع استراتيجية قومية لذوي الإعاقة خلال عام ٢٠١٨، مع العلم أنها سبق وأعلنت قبل أشهر قليلة عن انتهاء وزارتها من وضع استراتيجية وطنية للإعاقة، هل أكلتها القطة؟! بالمناسبة ذات القطة أخرجت مخالبها للمجلس القومي لشئون الإعاقة في بداية تأسيسه، لأنها خشيت أن ينتقل إليه ملف الإعاقة الذى طالما كان سببًا لإقامة مآدب فاخرة تغذت منها تلك القطة سحتًا.
وخوفًا من أن يكون للمجلس دور فى رصد الانتهاكات في حق ذوي الإعاقة من قبل الأجهزة والهيئات الحكومية، كما هو منصوص عليه في المادة ٢١٤ من الدستور، سعت الوزارة وزبانيتها ليكون المجلس جزءًا من الحكومة فى مشروع قانون ذوي الإعاقة، لتفقده ذلك الدور.
أظن أن مبادرة الرئيس فرصة لا ينبغي تركها للموظفين وسراديب البيروقراطية المتنوعة بين الجهل والفساد والروتين، خاصة أن قضية الإعاقة ترتبط معالجتها بشكل أساسي بطبيعة الثقافة السائدة في المجتمع ويستلزم التعامل معها حملات توعية واسعة النطاق، لتغيير تلك الثقافة وأول من يجب استهدافهم جيوش الموظفين العاملين في هذا المجال سواء في وزارة التضامن الاجتماعي وغيرها من الوزارات المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر، بما في ذلك المجلس القومى لشئون الإعاقة أو حتى داخل الجمعيات ومراكز التدريب والتأهيل الأهلية.