رغم أن الصحافة الغربية عامةً والصحافة البريطانية خاصةً تتعامل دائمًا مع الأمور بعقلانية ومنطقية، وتنحى العواطف والمشاعر الإنسانية جانبًا عند التعامل مع الأمور السياسية، إلا أنه من خلال رسالة دكتوراه أشرفنا عليها مؤخرًا للباحث حمزة خليل المدرس المساعد بجامعة طنطا بعنوان: «دلالـة تأطير الصورة فى التناول الإعــلامى لثورة ٣٠ يونيو: دراسة تحليلية مقارنة لمواقع الصحف الإلكترونية المصرية والغربية»، تبين منها أن صحيفة «الجارديان» البريطانية كانت تقطر تعاطفًا وإنسانية فى تغطية متحيزة لجماعة الإخوان الإرهابية أثناء ثورة ٣٠ يونيو.
فقد جاءت مجموعة الأطر المتعاطفة أو الإنسانية فى المرتبة الثانية من بين مجموعات الأطر التى وظفها موقع الجارديان فى تغطيته لأحداث ثورة ٣٠ يونيو، وذلك بنسبة ٢٣.٢٪، وتتكون هذه المجموعة من إطار التعاطف مع القوى المؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسى، وإطار التعاطف مع القوى المعارضة لنظام حكم جماعة الإخوان، حيث تتعامل هذه المجموعة مع الصراع القائم بين المؤيدين والمعارضين للثورة من المنظور الذى يؤكد على الجانب الإنساني، بما فى ذلك التضحيات التى قدمها الأفراد خلال فترة الصراع فى أحداث ثورة ٣٠ يونيو، وذلك من خلال التركيز على الصور والفيديوهات التى تتضمن المواقف والأحداث والجوانب الإنسانية فى أحداث الثورة، والتى تبرز الضحايا من القتلى والجرحى، جراء الاشتباكات بين مجموعات المحتجين المؤيدين والمعارضين، أو الاشتباكات مع قوات الأمن والجيش، وقنابلهم المسيلة للدموع وإطلاق النار عليهم، بالإضافة إلى أعمال الإغاثة، وأسر الشهداء والجنازات والاعتقالات.
وقد برز هذا الإطار بشكل كبير فى موقع الجارديان ـ أى وصل لقمة ذروته ـ خلال الأحداث التالية: أحداث الحرس الجمهورى مع قوات الجيش، وأحداث فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة مع قوات الأمن المصرية، وأحداث مسجد الفتح بميدان التحرير.
ويرجع اهتمام موقع الجارديان بالأطر الإنسانية فى التغطية المصورة لأحداث الثورة؛ إلى إثارة الاستجابات العاطفية والانفعالية لدى المشاهدين لهذه الأحداث، ومن ثم تشكيل الرأى العام الدولى حول أحداث الثورة، كما أن الصور العاطفية ذات الطابع الإنساني، يمكن أن تترك انطباعات أو تأثيرات دائمة على المشاهدين، والتى تؤدى فى نهاية الأمر إلى تشكيل الرأى العام.
وقد برز هذا الإطار منذ بداية الاحتجاجات المؤيدة والمعارضة للرئيس المعزول، نتيجة الاشتباكات بين جماعات الاحتجاج، والإصابات الناتجة عنها، ولكن ظهر هذا الإطار بشكل أكبر بعد عزل محمد مرسى من الحكم، وذلك أثناء أحداث الحرس الجمهوري، وأحداث فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، بالإضافة إلى الاشتباكات بين مؤيدى ومعارضى الرئيس المعزول.
لقد جاءت أطر التعاطف مع أنصار الرئيس المخلوع فى المرتبة الأولى من بين مجموع الأطر الإنسانية فى موقع الجارديان، حيث جاء بنسبة ٢٣.٢٪، وقد تضمن هذا الإطار مجموعة من الأطر الفرعية، وهى ـ بالترتيب حسب بروزها فى التغطية المصورة لأحداث الثورة فى موقع الجارديان ـ إطار الضحايا من القتلى والجرحى، وإطار أعمال الإغاثة، ثم إطار أسر الشهداء والجنازات والاعتقالات لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسى.
تشير الدراسة إلى أن أهم الأطر المصورة البارزة فى موقع الجارديان لأحداث الثورة أن الأطر الإنسانية المتعاطفة مع القوى المعارضة لم تسجل أى مؤشر إحصائي، وهذا يعد مؤشرًا على تحيز موقع الجارديان للقوى المؤيدة لأنصار الرئيس المعزول، حيث أبدى الموقع تعاطفه معهم بشكل أكبر من القوى المعارضة، ويرجع ذلك إلى تركيز موقع الجارديان على الأطر السلبية «التى تشتمل على أعمال العنف والقتل والاشتباكات والضحايا والاحتجاجات العنيفة»، بشكل أكبر من الأطر الإيجابية فى الثورة «والتى تشتمل على الاحتجاجات السلمية، والتركيز على مطالب وأهداف المحتجين سواء المؤيدين أو المعارضين»، كما ركزت على ردود الفعل الدولية المعارضة للثورة أو حتى المتحفظة على بعض الأعمال والتدخل فى الشئون الداخلية لمصر.
ويتضح من استعراض مجموعة الأطر الإنسانية فى موقع «الجارديان» ما يلي:
■ أن الموقع ركز فى تغطيته المصورة لأحداث ثورة ٣٠ يونيو على صور الضحايا من المؤيدين للرئيس المخلوع محمد مرسى بشكل أكبر، وتجاهلت أطر التعاطف مع المعارضة من المحتجين أو الجيش أو الشرطة، والشيء اللافت للنظر أن موقع الجارديان تجاهل الصور التى تبرز قوات الشرطة، سواء بالضحايا أو حتى وجود اشتباكات بينها وبين المؤيدين للرئيس المخلوع خلال أحداث الثورة، إلا فى مواقف محددة أثناء أحداث فض اعتصامى رابعة والنهضة، وأحداث مسجد الفتح.
■ كما ركز الموقع على الصور العاطفية التى تبرز مشاعر وعواطف وانفعالات المحتجين المؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسى، من الإحساس بالألم والمعاناة والحزن والغضب والسخط والاضطهاد والإهانة والتشاؤم والشك وعدم الثقة والخوف والحاجة للدعم والتضامن، والمعاناة أثناء ممارسة السلوك الاحتجاجى أمام الممارسات المتعسفة والعنيفة من قوات الجيش والشرطة، وذلك من خلال توظيف موقع الجارديان للقطات القريبة؛ لإبراز مدى العنف وخطورة الإصابات التى تعرض لها أنصار محمد مرسى.
■ إن الموقع اتبع استراتيجية التقارب فى نشر صور الضحايا من القتلى والمصابين والاعتقالات، والقبض على أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى، فضلًا عن صور المساعدات الإنسانية من رجال الإسعاف والأطباء فى المستشفيات، وحزن وبكاء النساء على القتلى، بالإضافة إلى صور القتلى والمصابين من الأطفال.
* إن الموقع استخدم «آلية التجريد من الإنسانية»، وذلك من خلال التركيز على الصور والفيديوهات التى أبرزت تحول أنصار الرئيس المعزول لمجرد أرقام تحتج وتتصارع وتسقط قتلى فى مصادماتها مع مجموعات الاحتجاج المعارضة لمرسى وقوات الجيش والشرطة، وذلك بهدف التعاطف مع أنصار الرئيس المعزول، وشيطنة القوى المعارضة لنظام حكم جماعة الإخوان من المحتجين وقوات الجيش والشرطة.
لقد سقطت «الجارديان» فى بئر سحيقة من التحيز وعدم المهنية فى التغطية الصحفية لثورة ٣٠ يونيو، وربما ما زالت تمارس السقوط الحر حتى الآن لأن البئر ليس لها قرار معلوم، وإذا أردنا أن نعرف سر هذه السقطة المهنية فلنبحث عن البترو ـ قطر، وامتلاك قطر لشريحة كبيرة من أسهم «الجارديان».. تبًا للمهنية عندما تتم تغطية القصص الخبرية بإنسانية متحيزة لجماعة إرهابية.. هنا تكون التضحية بالمهنية فى مقابل حفنة دولارات أو بضعة براميل من النفط.
سقطت «الجارديان» ونجحت ثورة ٣٠ يونيو بمصر وشعبها وجيشها وشرطتها.. تحيا مصر ويموت الحالمون بفنائها.