لست مشغولًا بالأسباب التى دفعت أمريكا لذلك الاستقبال الحافل الذى نظمته لمزدوجة الجنسية آية حجازى، ولكننى مشغول بالأبطال الذين وقفوا معى فى ميدان التحرير عشرات المرات نهتف معًا ضد أمريكا وكلاب أمريكا، هؤلاء الأبطال الذين أحرقوا عشرات من أثواب قماش البفتة وقد رسمنا عليها العلم الأمريكى، ورسمنا البيت الأبيض وساكنه كثعبان سام.
ومن شهد منكم تلك الأيام يتذكر مدى حماسة هؤلاء الأبطال ضد أمريكا كدولة حرب وتوعدهم لها بالهتاف المثالى «بكره نرد الضرب بضرب».. وجاء يوم الرد عندما استقبل ترامب حجازى بعد رحلتها على طائرة عسكرية وهبوطها فى قاعدة عسكرية لينقلب زملاء الميادين إلى كورس بنغمات مُوحدة تُغنى أناشيد المدح الصافى للسيد ترامب الذى استقبل مواطنته آية حجازى، وكيف تحافظ أمريكا - التى كانت دولة شر قبل سنوات على إنسانية الإنسان.
قلت إننى لست مشغولًا بقضية تلك الفتاة لا فى سجنها ولا فى سفرها، وذلك لأن الكرنفال الذى يحيط بكل واقعة مشابهة أكثر إثارة، ويجعل التساؤل مشروعًا.. هل هذا التحول الذى نراه فى المواقف ناتج عن قناعة بأن أمريكا صارت فى لحظة واحة للإنسانية؟ أم هى كراهية كل ما يتصل بالدولة المصرية قد أعمت العيون؟ من حقك بالطبع أن تعارض رئيس الدولة عبدالفتاح السيسى، ومن حقك أن تختلف مع التوجهات الاجتماعية والاقتصادية فى البلاد، ولكن ليس من حقك أن تطالبنى بأن ألغى عقلى وذاكرتى وتمنعنى من طرح الأسئلة.
أزيد على ذلك أن هناك خطًا فاصلًا يجعل الحدود بينى وبين أصحاب كرنفال السب الموسمى تتسع وتزيد، فكيف لى أن أتعامل مع تيار يرفع شعار «اللهم هجرة» وكيف لى أن أصدقه عندما يتكلم أو يدافع عن الكرامة الوطنية، تلك الكرامة التى هم أول من داسوها وأطلقوا شلال السخرية حتى على اسم بلادنا باستخدامهم لحرف السين بدلًا من الصاد فى كلمة مصر، التناقض الذى يتبلور يومًا بعد يوم بين مجموعات ترى أنها مالكة الحكمة وصاحبة توكيل توزيع صكوك الوطنية، وبين ملايين المصريين الذين أدركوا عُمق المعركة التى تخوضها مصر منذ سنوات، فاستعادوا مجد آبائهم فى تعاملهم مع الوطن بعد نكسة ١٩٦٧، ملايين المصريين الآن اختاروا دعم الوطن بمؤازرته ودعمه ومساندته دون انتظار أى مقابل سوى إعلان الانتصار الحاسم على الإرهاب والسير فى طريق استقلال الدولة وتنميتها لتقف فى المكان اللائق بها على خريطة العالم.
سبق لى كتابات عديدة ضد التمويل والمتمولين، ضد تحويل صفة الناشط إلى وظيفة، ضد الاسترزاق بالمصائب وضد التربص بكل خطوة للبلد سواء كانت صحيحة أو خاطئة، فالأزمة التى تتجلى الآن ليست فى حالة الإرهاب التى يمارسها المستثورون على كبر ضد كل من يستخدم عقله أو يختلف مع صوتهم الزاعق، ولكن الأزمة تتفاعل بهدوء وعلى يد من يمكن تسميتهم بـ «يسار مقاس المرشد» وذلك لقيامهم باللعب فى الممنوع، وعلى سبيل المثال فى ذلك إصرار هؤلاء على استبدال اسم الجيش المصرى إلى جيش السيسى، أو الترويج لفيديو مجهول المصدر واختراع اتهامات اسمها القتل خارج القانون.
هؤلاء الذين التوت رقابهم غربًا يعرفون جيدًا طريقهم نحو الحفاظ على تمويلاتهم وأرصدتهم بالبنوك، بل سارع بعضهم فى تحضير الملاذات الآمنة له ولأسرته بالخارج سواء بتركيا أو أوروبا اللعوب، أو حتى فى حضن ترامب الذى استقبل مواطنته مزدوجة الجنسية آية حجازى.
اللعبة الخطرة هى الإصرار وبوعى على زراعة السواد ونشر الإحباط وترسيخ الهزيمة، اللعبة الخطرة هى استمرار الحال على هذا المنوال المؤدى إلى نفق ستنغلق أبوابه على الجميع.