الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

العقول «المعتمة» أشد خطرًا من الأحزمة الناسفة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مشهد انفجار الانتحارى أمام كنيسة الإسكندرية، والذى عرضته بعض شاشات التليفزيون، يستأهل التوقف أمامه لتأمله وفحصه واستخلاص ما ينطوى عليه من دلالات ومعانٍ.
لماذا يقوم شاب بتفجير نفسه على هذا النحو البشع؟ كيف تم إقناعه بفعل ما فعل؟ هل فكر ذلك الشاب فى معنى وجدوى العمل الانتحارى الذى يقوم به؟ بل هل هو يملك أصلًا عقلًا يفكر؟ 
علامات استفهام كثيرة وكبيرة تحتاج إلى إجابات دقيقة ومحددة.
إن الانتحارى الذى يرتكب جريمته ضد ضحايا أبرياء أطفالًا أو نساء وكهولًا لم يرتكبوا جرمًا، ولم يقترفوا ذنبًا حتى يتم الاعتداء عليهم على هذا النحو البشع لا بد أن تكون «بنيته العقلية» مختلفة عن عقلية البشر الأسوياء ومختلة، ليس معنى هذا أنه مريض نفسى يحتاج إلى تعاطف وعلاج، وإن كان فى الحقيقة لا يخلو من مرض.. هو فى واقع الأمر كائن بشرى يمتلك «عقلية معتمة» شارك فى صنعها آخرون.. فإذا كان هناك خبراء فى تصنيع المفرقعات قاموا بتجهيز الحزام الناسف الذى استخدمه ذلك الانتحارى، فلا شك أن هناك أشخاصًا ساهموا فى تشكيل عقليته «المعتمة» وتجهيز صاحبها عقليًا ومعنويًا، كى يفجر نفسه على النحو الذى شاهدناه على شاشات التليفزيون.
إن من قام بتجهيز العقلية «المعتمة» للإرهابى، لهو أشد خطرًا ممن قام بتجهيز حزامه الناسف. 
تجهيز الأحزمة الناسفة أمر خطير، وتشكيل «العقول المعتمة» وإقناع أصحابها بتفجير أنفسهم أمر خطير أيضًا.. ولكن مستويات الخطر تتفاوت من حيث الشدة.. المتلاعبون بعقول الناس وخاصة الشباب أشد خطرًا على أمن بلادنا. 
فى وسع الأجهزة الأمنية تعقب خبراء المفرقعات المنتمين إلى تنظيمات إرهابية وحصرهم وحصارهم والقبض عليهم وتسليمهم للعدالة.. أما تعقب المتلاعبين بعقول الشباب تحت دعاوى دينية ومحاسبتهم فهى مهمة بالغة الصعوبة، علينا أن نتكاتف جميعًا لإنجاز هذه المهمة بنجاح.. مهمة تعقب المتلاعبين بالعقول تحت يافطة الدين مهمة شاقة، ولكنها ليست مستحيلة إذا خلصت النوايا وحسن العمل والأداء.
إن الانتحارى صاحب عقلية «معتمة» لا يعرف التسامح، ويبغض الآخر، ويؤمن بالرأى الواحد، ولا يعرف النقد أو التفكير النقدى.. الانتحارى يتعصب لأفكاره «التى مصدرها بشرى فى أغلب الأحيان»، ويرتفع بها إلى مرتبة القداسة، ويعتقد هو وجماعته أنهم وحدهم من يمتلكون الحقيقة، وأنهم على حق، ومن سواهم على باطل.. وفضلًا عن أن الانتحارى صاحب عقلية «معتمة» فهو أيضًا يتصف بالتعصب الشديد الذى يصل إلى حد «الغباء»، فهو يتحمس تحمسًا زائدًا للرأى الذى يقول به، أو العقيدة التى يعتنقها، وهو لا يكتفى بأن ينطوى على ذاته، وينسب إليها كل الفضائل، بل يملؤه الشعور بالاستعلاء على الآخرين، والاعتقاد أنهم أحط، ويستبعد فضائل الآخرين وينكرها ويهاجمها.
التعصب يلغى التفكير، ويشل القدرة على التساؤل والنقد.. فلو أن لدى الانتحارى قدرًا ضئيلًا من التفكير، لأدرك عبثية ما يقوم به من فعل، ومن ثمَّ يحجم عن تنفيذ عمليته الانتحارية، لأنه حين يفجر نفسه فى مجموعة من الناس بدافع دينى، فمن أدراه أن يكون بين الضحايا من هو أكثر تقوى وأقرب إلى الله منه وممن حرضه على الانتحار. ولو أن هذا الانتحارى لديه خلية واحدة فى عقله تعمل وتفكر، لأدرك أنه حين يفجر نفسه فى مجموعة من الناس بدافع سياسى، فقد يكون من بين الضحايا من هو ساخط على النظام أكثر منه وممن حرضه. الانتحارى لا عقل له، وينحاز إلى موقف الجماعة التى ينتمى إليها انحيازا أعمى دون تفكير، هو يغلق أبواب عقله ونوافذه إغلاقًا تامًا حتى لا تنفذ إليه نسمة منطق أو لمحة فكر، لأن هذه النسمة أو تلك اللمحة فى وسعها أن تهدم موقفه كله. 
عمل المتلاعبون بالعقول على تشكيل هذه العقليات المعتمة للانتحاريين.. المتلاعبون بالعقول وبالعواطف الدينية للشباب هم صُنّاع «العقليات المعتمة» قد يكون أحد هؤلاء الصُنّاع يقطن قصره الفخم بمدينة السادس من أكتوبر أو التجمع الخامس أو حتى هاربًا إلى دولة تركيا أو دويلة قطر.. ويشاهد صنيعته الانتحارى صاحب العقلية المعتمة يفجر نفسه أمام كنيسة الإسكندرية أو غيرها من أماكن، ويفرك كفيه بهجةً وسعادة، وهو فى مأمن من المحاسبة، بل قد يكون على موعد للظهور فى أحد البرامج التليفزيونية كى يقوم بتكفير شركاء الوطن دون أن تطرف له عين، مما يترتب عليه بث الكراهية فى نفوس أصحاب العقول «المعتمة» تجاههم، بل يذهب بأحدهم الأمر إلى حد الدعوة إلى غزو دول أخرى للحصول على أسرى وسبايا. 
صُنّاع العقول المعتمة أخطر من صُنّاع الأحزمة الناسفة، لأنه وكما يقول بعض الفقهاء:
«إن المعلول يدور وجودًا وعدمًا مع العلة»، وهذا معناه أن وجود العلة «السبب» يؤدى إلى وجود المعلول «الظاهرة» وغياب السبب يؤدى إلى انتفاء الظاهرة وغيابها.. ومن ثمَّ فإن محاربة صُنّاع العقول المعتمة ومحاسبتهم على ما يقومون به من تحريض، سوف تسهم حتمًا فى انحسار الإرهاب والقضاء عليه.
الانتحاريون هم عرض لمرض، علينا أن نعالج أمراضنا بحسم وقوة حتى لا نصرخ ألمًا من أعراض تلك الأمراض.