هناك ٣ متغيرات أدت إلى تغيير استراتيجيات داعش فى الفترة الأخيرة، الأول انتقال القوات العراقية من شرق مدينة الموصل إلى غربها، والثانى دخول القوات الكردية للقرى المحيطة بمدينة منبج، والثالث سيطرة القوات التركية التى تدعم السورى الحر على مدينة الباب.
ما سبق معناه أن التنظيم محاصر بالكامل فى دائرة، إضافة إلى ضربات التحالف الدولى الجوية، التى قتلت أكثر من عنصر قيادى خلال هذا الأسبوع فقط.
لجأ التنظيم لمقاومة هذه الخطة وهذا الحصار إلى خطط بديلة، منها:
١- تغيير الخطط العسكرية الميدانية على الأرض، وعدم الاعتماد فى الحروب على الانتحاريين فى البداية، والالتجاء إلى الاختراق نهارًا أو ليلًا للقوات المعادية، وعدم التخلى عن الموصل أو المناطق الأخرى مطلقًا.
دعم الفروع، والخلايا، ودعوة الذئاب المتوحدة للعمل من جديد، واستحداث استراتيجية «الإرهاب العادل» لتحريض أتباعه فى الغرب بمهاجمة أى شخص باستخدام سكين حاد فى أماكن تؤدى للموت، وتكليف عناصر التنظيم من المهاجرين «عرب الجنسية» بالعودة إلى بلدانهم وإعلان ولايات عربية هناك، تمهيدًا لشن هجمات على المقار الحكومية، وإحياء الخلايا النائمة فى الدول العربية لتكثيف الهجمات على المنشآت النفطية، ومهاجمة المصالح الأجنبية للدول المشاركة بالتحالف، والدعوة للاستمرار بشن هجمات عشوائية على أراضى دول التحالف تستهدف الأماكن العامة ومراكز الترفيه، والتجمعات باستخدام الشاحنات لإيقاع أكبر عدد من القتلى بالمدنيين.
٢- الانتقال إلى محطات أخرى، تطل على البحار، مثل الصومال، والالتجاء إلى وسط آسيا، حيث الاعتماد على عناصر التنظيم الأفغانيين، والشيشانيين.
٣- إطلاق سراح العشرات من قادة ومسلحى التنظيم ممن جرى اعتقالهم لأسباب مختلفة فى «الموصل» لاستثمارهم فى سد النقص جراء الخسائر التى يتعرض لها التنظيم فى المعارك.
٤- دعوة عناصر التنظيم الذين لا يتمكنون من السفر إلى العراق وسوريا بالتوجه إلى ليبيا.
٥- الدمج بين المحلى العنقودي، والمحلى المنفرد، وهذا معناه التالي:
أن داعش سينتقل من جهاد إمساك الأرض إلى النكاية، وهذا أعلنه بوضوح «٩ رصاصات للمرتدين وواحدة للكافرين»، وأصبح للتنظيم عدة محاور من الأنظمة العسكرية، الأول فى أماكن سيطرته، والثانى فيما يطلق عليها الولايات مثل ليبيا، أو بوكو حرام، والثالث من خلال الشبكات والخلايا مثل بروكسل وخلية باريس، والأخير الذئاب المنفردة، أى التابعة للفكر وليس للتنظيم.
دمج التنظيم بين مقاتليه، وكانت له سياسة واضحة، هى إمساك الأرض، عن طريق مزيج من قتال الجيوش النظامية، وحرب العصابات، وما ابتدعه وهو تطهير المكان «أى مذابح للمخالفين»، ثم التهجير، لكى يخلق مشكلة للجوار، وإذا انسحب يدمر المكان تمامًا كما جرى بكوبانى والفلوجة، عن طريق ٥٠ ألف مقاتل، بينهم ١٥ ألفًا أطلق عليهم «قوات النخبة».
حدث اندماج لدى داعش بين الأبعاد الإقليمية والعالمية، وبين المحلى العنقودي، والمحلى المنفرد، وذلك للرد على تراجعه، وقتل قياداته، كأبوعمر الشيشاني، وهو ما أكد داعش عليه، وهو «مناكفة الأنظمة»، والانتقال من جهاد البقاء والتمكين، وقتال العدو القريب، إلى قتال العدو البعيد، عبر استراتيجيات الاستنزاف، التى أطلق عليها فى بيانه بأحد المواقع المقربة منه «المنازلة».
الحقيقة أن هذا التنظير ليس جديدًا، بل هو تنظير استخدمته القاعدة، وهو ما أطلقت عليه: «المناكفة الجهادية للأنظمة العربية»، وبرز هذا التنظير خلال السبعينيات والثمانينيات، حتى بدأت الحرب الأفغانية السوفيتية، وبرز ما يسمى «الجهاد التضامني»، وأطلق قادة الحركة على المنابر «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم».
عقب فترة أفغانستان برز «الجهاد النكائي»، أو ما أطلق عليه بن لادن «قاعدة الجهاد»، وأطلقت عليه الجماعة الإسلامية، وتنظيم الجهاد «دفع الصائل».
بروز العولمة، ثم الاحتلال الأمريكى للعراق، أسهم فى ظهور ما يسمى بـ«الجهاد التضامني»، وظهور الشبكات الجهادية، التى بدأت بربط التنظيمات المحلية، بتنظيمات مماثلة إقليمية، دمجت كل الأبعاد من قتال العدو القريب إلى البعيد.
لأول مرة فى هذه الفترة ظهرت تنظيمات تريد حرب العالم أجمع فى وقت واحد، ففى الوقت الذى أصرت فيه قيادة القاعدة على أولوية قتال العدو البعيد، والمضى قدما فى مناكفة «الصليبيين» عبر تكتيكات حروب النكاية، ونهج الاستنزاف والمطاولة، كان تنظيم الدولة الإسلامية يشدد على دمج الأبعاد الجهادية، وأولوية قتال العدو القريب عبر استراتيجيات التمكين.
كان على تلك التنظيمات فى هذه الفترة التى تريد التمكين أن تقوم بتقويض الأنظمة، وأن تطرح بدائل مناسبة لها، وهذا هو ما نجح فيه داعش وحده، الذى دمج بين الفقه السلطانى الوهابى القديم، وشكل الدولة الحديثة، وأنتج نموذجًا هجينًا وغريبًا، وهو نموذج الخلافة، فيما ظل تنظيم القاعدة يستهدف تقويض الدول الغربية من دون طرح بدائل محددة.
شكّل نموذج داعش، نقطة جاذبة، جمعت آلاف المسلحين والمقاتلين، على سبيل المثال، حين سئل مقاتل أجنبى فى الرقة لماذا لا ينخرط فى الجهاد فى موطنه، أجاب: «لأن الدولة الإسلامية الحقيقية موجودة هنا».
عقب الحرب الكونية على داعش، ظل التنظيم يبذل الجهد لكسب الوقت، من أجل حفاظه على مكتسباته، وتربية جيل جديد من الأنصار، يمكنه من الحفاظ على دولته المزعومة، والآن، وعقب تناقص حدود داعش، وتقلص التنظيم، وانحساره، بحث التنظيم عن حل جديد للتحديات، كان منها هذا الطرح الجديد، وهو مناكفة الأنظمة، عن طريق ضرب اقتصادها، وأمنها، وجيوشها.
إذا أردت أن تعرف، ما هى تلك الأنظمة التى سيواجهها التنظيم، ستدرك بسرعة، أن مصر هى من إحدى تلك الدول، خاصة إذا راجعت رسالة أبوالودود الهرماسى، القيادى بالتنظيم، الذى اعتبر أن الدولة المصرية الهدف الأسمى، وهى المكان الأمثل المرشح وبقوة لضربات التنظيم، نظرًا لتأثيره بالكامل على المحيط.