الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

خطاب العنف والدم.. ابن عبدالوهاب والوهّابية

الشيخ محمد بن عبدالوهاب
الشيخ محمد بن عبدالوهاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الوهابية دعوة سلفية نشأت في شبه الجزيرة العربية، وتُنسَب إلى مؤسسها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وقوامها الدعوة إلى التوحيد الخالص، ونبذ البدع، وإزالة ما لحق العقيدة الإسلامية من أوهام وخرافات، ويمكن القول إن الوهابية تعيد إنتاج فكر الإمام أحمد بن تيمية، وهو بدوره من المتشبثين بفقه الإمام أحمد بن حنبل، وتترجمه من الإطار النظري إلى التطبيق العملي.
من أهم مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب: "كتاب التوحيد"، "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، "رسالة كشف الشبهات"، "تفسير الفاتحة"، "أصول الإيمان"، "المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية".
لم ينشغل الوهابيون بردّ الفعل الرافض لسلوكهم من قِبل السلطة وعوام المسلمين، الذين أبدوا استياءهم وانزعاجهم من عمليات هدم القباب، ورفع الحلي والزينة عن قبر الرسول عليه السلام، وتدمير المشاهد الشيعية في منطقة كربلاء.
اعتمد الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه على تقديم النصيحة لتغيير ما يرون أنه منكر مخالف لصحيح العقيدة الإسلامية، فإن لم تتحقق الاستجابة السلمية لما يدعون إليه يكون السيف واللجوء إلى القوة؛ لأن المخالف هو الكافر والمشرك.
يمثل الفكر الوهابي أساس قيام المملكة العربية السعودية، ويتجلى تأثيرها ونفوذها في عديد من الحركات الإسلامية المعاصرة، ومنها "طالبان" وتنظيم "القاعدة"، وعدد غير قليل من الحركات الإسلامية الجهادية المتطرفة في الفلبين وإندونيسيا وماليزيا وباكستان وكشمير، فضلًا عن بعض الجمهوريات التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي قبل سقوطه.
هذه هي الوهابية باختصار والتي أسسها محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود لتحكم المملكة السعودية حتى الآن، وتخرج لنا أجيالًا متعاقبة من فقهاء الدم والعنف والتطرف، ولأن الباحث يقوم بإضاءة بعض الجوانب الفقهية التي تشير إلى العنف والتطرف عند كل شخصية أو فقيه فلن نطيل هنا بالاسترشاد بتلك الحروب التي خاضتها الوهابية حتى تؤسس المملكة السعودية وكمّ القتل والذبح والحرق، الذي ينتهجه تنظيم الدولة في العراق والشام "داعش" حتى اليوم؛ لأنه الامتداد الطبيعي لهذا الفكر، ولنضرب بعض الأمثلة الاستشهادية التي تبيِّن لنا مواقف هذا الفقه ومدى تطرفه:
وبداية من عقيدة الولاء والبراء تلك العقيدة التي تجعل من الآخر كافرًا يباح ماله ودمه وعِرضه فيعرِّف الشيخ ابن باز في «مجموع فتاوى ابن باز» الولاء والبراء بأنه: محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين ومعاداتهم، والبراءة منهم ومن دينهم، هذا هو الولاء والبراء كما قال الله سبحانه في سورة «الممتحنة»: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (الممتحنة: 4).
وقد يتصور البعض أن مجرد إقامتهم للصلوات وذَهابهم للحج والعمرة كافٍ في بقائهم على عقيدة الإسلام، ولو ظاهروا أعداء الله على المسلمين، وهو خطأ محض، يقول عنه أبو الوفاء بن عقيل، الفقيه الحنبلي: «إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبَّيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي، والمعري- عليهما لعائن الله- ينظمان وينثران كفرًا، وعاشا سنين، وعُظم قبراهما، واشتُريت تصانيفهما، وهذا يدل على برودة الدين في القلب».
وموالاة الكافرين لها صور وأقسام، أهمّها: الرضا بكفر الكافرين، وعدم تكفيرهم، أو الشك في كفرهم، أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة، والإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، أو التحاكم إليهم دون كتاب الله تعالى، ومودّتهم، ومحبّتهم، واتخاذهم أولياء، والركون إليهم، ومداهنتهم، ومجاملتهم على حساب الدين، واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، وطاعتهم فيما يأمرون فيما فيه معصية لله ورسوله، ومعاونتهم على ظلمهم ونصرتهم على المسلمين، والتآمر معهم، وتنفيذ مخططاتهم والتجسس لمصلحتهم والقتال في صفوفهم.
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز: «أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقض الإسلام؛ لقول الله عز وجل: { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }».
فعلى المسلم أن يقيس أعماله بميزان الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من الشرك والكفر والكافرين، وأن يخشى على دينه وأمته، فهذا من تمام الإيمان، ومظاهرة الكافرين من نواقض الإسلام.
وفي تحديد المؤمن والكافر فكل من هو متمسك بمذهب الشيخ ابن باز هو مؤمن، ومن خارج هذا المذهب هو مشرك أو كافر حتى لو أدى الفروض! حج وصام وصلى، فالتعامل مع المسيحي ولو كان جارك في السكن أو زميلك في العمل هو موالاة للكفار وشرك بالله. 
وفي الرد على سؤال حول الذين يحتكمون إلى القوانين الوضعية أجاب ابن باز "رأيي في هذا الصنف من الناس الذي يسمون أنفسهم بالمسلمين، في الوقت الذي يتحاكمون فيه إلى غير ما أنزل الله، ويرون شريعة الله غير كافية، ولا صالحة للحكم في هذا العصر، هو ما قاله الله سبحانه وتعالى في شأنهم حيث يقول سبحانه وتعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (النساء: 65). ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: 44)، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة: 45)، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (المائدة: 47). إذًا فالذين يتحاكمون إلى شريعة غير شريعة الله، ويرون أن ذلك جائزٌ لهم، أو أن ذلك أولى من التحاكم إلى شريعة الله، لا شك أنهم يخرجون بذلك عن دائرة الإسلام، ويكونون بذلك كفارًا ظالمين فاسقين، كما جاء في الآيات السابقة وغيرها. وقوله عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: 50).
هكذا دون الرجوع إلى تفسير الآيات أو معناها أو أسباب نزولها، ولا حتى سياقها القرآني فيحكم على الحكام المسلمين ليس فقط، بل على الشعوب الإسلامية طبقًا لنظرية الحاكمية التي يتبناها المودودي وسيد قطب ومحمد قطب، كذلك تتبناها معظم الجماعات الإسلامية في الوقت الحالي من القاعدة إلى داعش ومن قبلهم الإخوان والدعوة السلفية، تلك النظرية التي تؤصل لتكفير المجتمع ومحاربة المسلمين وهدم المساجد عليهم كما فعلت بوكو حرام في نيجيريا وغيرها من الجماعات مثل طالبان باكستان، وجريًا على تكفير الحكام والشعوب حسب نظرية الحاكمية فقد قام الشيخ ابن باز أيضًا بتكفير المنتمين إلى المذاهب السياسية، فيقول ابن باز في مجموع الفتاوى: "الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، لا ريب أن الواجب على أئمة المسلمين وقادتهم أن يحكموا الشريعة الإسلامية في جميع شئونهم، وأن يحاربوا ما خالفها، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء الإسلام، ليس فيه نزاع بحمد الله، والأدلة عليه من الكتاب والسنة كثيرة معلومة عند أهل العلم، منها قوله سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65) وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59) وقوله سبحانه {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (الشورى: 10) وقوله سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: 50)، وقوله سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: 44) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة: 47) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (المائدة: 45) والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقد أجمع العلماء على أن من زعم أن حكم غير الله أحسن من حكم الله، أو أن هدى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر، كما أجمعوا على أن من زعم أنه يجوز لأحد من الناس الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أو تحكيم غيرها فهو كافر ضال، وبما ذكرناه من الأدلة القرآنية، وإجماع أهل العلم يعلم السائل وغيره أن الذين يدعون إلى الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرهما من المذاهب الهدّامة المناقضة لحكم الإسلام، كُفار ضُلال، أكفر من اليهود والنصارى؛ لأنهم ملاحدة لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يجوز أن يجعل أحد منهم خطيبًا وإمامًا في مسجد من مساجد المسلمين، ولا تصح الصلاة خلفهم، وكل من ساعدهم على ضلالهم، وحسن ما يدعون إليه، وذم دعاة الإسلام ولمزهم، فهو كافر ضال، حكمه حكم الطائفة الملحدة، التي سار في ركابها وأيّدها في طلبها، وقد أجمع علماء الإسلام على أن مَن ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة، فهو كافر مثلهم". 
فالتكفير لدى الشيخ ابن باز بالجملة دون النظر في هذه المذاهب، سياسية كانت أو اقتصادية ومدى نفعها للمسلمين، فهكذا يرمي جميع المذاهب السياسية بالكفر والضلال، وتلك هي نفسها مفاهيم تلك التيارات الموجودة حاليًّا، إنه خطاب الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور، ليس فقط، بل هو نفسه خطاب الجماعة الإسلامية والمنشقين عنها، تلك هي أزمتنا الكبرى مع الفكر الوهابي "التكفير" ذلك السلاح الذي يهدر دماء المسلمين هنا وهناك. 
ولا يقوم الخطاب الوهابي فقط بتحريم مشاركة غير المسلمين بأعيادهم فهذا طبقًا لعقيدة الولاء والبراء كما بيناها من قبل تُدخل المسلم دائرة الشرك بالله حسب هذا الخطاب الوهابي، بينما يقوم ابن باز بتحريم أي احتفال يقوم به المسلمون بعيدًا عن عيدي الأضحى والفطر فاعتبر الاحتفال بالمولد النبوي بدعة ومرتكبها آثم، فيقول ابن باز في الرسالة الأولى من رسائله المعنونة "التحذير من البدع": لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حبًّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: مردود عليه، وقال في حديث آخر: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع، والعمل بها. ويستكمل ابن باز حديثه عن التدليل على اثم وضلالة الاحتفال بالمولد النبوي فيقول "ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد، مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى، كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك، وهو الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأولياء ودعائه والاستغاثة به، وطلبه المدد، واعتقاد أنه يعلم الغيب، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس، حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ممن يسمونهم بالأولياء"، وهنا لا يكتفي ابن باز بتأثيم الفعل فقط، بل يرمي من يحتفل بالمولد النبوي بالكفر والشرك بالله عز وجل.
وحول الاحتفال بالإسراء والمعراج يقول ابن باز "وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعًا لبيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، إما بالقول وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعُرف واشتهر، ولنقَله الصحابة رضي الله عنهم إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كل خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعًا لكانوا أسبق الناس إليه، والنبي صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس، وقد بلّغ الرسل غاية البلاغ، وأدى الأمانة فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الله لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه، فلما لم يقع شيء من ذلك، عُلم أن الاحتفال بها، وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها، وأتم عليها النعمة، وأنكر على مَن شرع في الدين ما لم يأذن به الله". 
ويستطرد في الرسالة الثانية فيقول "وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن السلف الصالح بعدهم، التحذير من البدع والترهيب منها، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم، وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع". 
هكذا ينكر الشيخ ابن باز أي احتفال للمسلمين بحجة أنه لم يكن حادثًا في عصر الصحابة كأن الزمان والتاريخ توقف عند هؤلاء الصحابة، فيريد ابن باز وهذا الخطاب الوهابي بنا أن نعيش لحظة تاريخية ماضوية لا تتعدى القرن الأول الهجري.
كذلك يحرِّم ابن باز الاحتفال بليلة النصف من شعبان في الرسالة الثالثة فيقول "ومن البدع التي أحدثها بعض الناس: بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص يومها بالصيام، وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه، وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، أما ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع، كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم، وسيأتي ذكر بعض كلامهم إن شاء الله وورد فيها أيضا آثار عن بعض السلف من أهل الشام وغيرهم، والذي أجمع عليه جمهور العلماء أن الاحتفال بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة، وبعضها موضوع، وممن نبه على ذلك الحافظ ابن رجب، في كتابه: (لطائف المعارف) وغيره، والأحاديث الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت أصلها بأدلة صحيحة، أما الاحتفال بليلة النصف من شعبان، فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له بالأحاديث الضعيفة.
وقد ذكر هذه القاعدة الجليلة الإمام: أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأنا أنقل لك: أيها القارئ، ما قاله بعض أهل العلم في هذه المسألة، حتى تكون على بينة في ذلك، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الواجب: رد ما تنازع فيه الناس من المسائل إلى كتاب الله عز وجل، وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حكما به أو أحدهما فهو الشرع الواجب الاتباع، وما خالفهما وجب اطراحه، وما لم يرد فيهما من العبادات فهو بدعة لا يجوز فعله، فضلًا عن الدعوة إليه وتحبيذه" 
هكذا يحرِّم الخطاب الوهابي الاحتفال بأي مناسبة دينية بحجة أنها لم تكن موجودة في عهد الأسلاف، دون الالتفات إلى البعد الاجتماعي والديني أيضًا لهذه المناسبات من حيث إنها تعمل على لمّ شمل الأسرة وإعلاء قيم التواد والتراحم والمشاركة الاجتماعية بعدما أثرت ضغوط الحياة والعمل على هذه الاسرة فيجدون متنفسًا في الاحتفال بهذه المناسبات.
وقد تناول الباحث في ورقات بحثية سابقة الوهابية وتطرفها وكذلك في مقالات وتقارير ببوابة الحركات الإسلامية من الممكن العودة لها للاستزادة.