تعد الشائعة من الظواهر الاجتماعية السلبية المنتشرة في المجتمعات، وهي كذلك من أخطر الحروب النفسية والمعنوية التي تحتدم في ظل أجواء مشحونة بعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية متعددة؛ حيث تتأثر بالأزمات التي تتعرض لها المجتمعات، وعندها تكون بيئة انتشارها وسريانها في المجتمع مهيأة، وتكون بمثابة أداة للبلبلة النفسية والفكرية، ومفتاح تغيير الاتجاهات والتصرفات، والأداة التي تستخدم للسيطرة على الاتجاهات الشعبية وتستهدف التماسك المجتمعى، وانتشار الشائعات بصورة واسعة في المجتمعات هو إحدى سمات عصر الثورة التكنولوجية وابتكار التقنيات الاتصالية الحديثة، فكل شيء في هذا العالم الافتراضي يتم التعامل معه على أساس أنه معلومة، بغض النظر عن صحتها أو خطئها، كما أن المعلومة لم يعد إنتاجها حكرًا على جهة بعينها، أو شخص محدد يمتهن إنتاج المعلومات وفقًا لمعايير محددة، بل أصبح بإمكان أي شخص أن يكون بنفسه منتجًا وناشرًا للمعلومة، وفي ظل هذه الوفرة المعلوماتية فإنه من الصعب على من يتلقى هذا الكم من المعلومات أن يميز الصحيح من الخاطئ، والجيد من الرديء، والحقيقة من الشائعة، وعلى الرغم من تطور شبكات التواصل الاجتماعي، وتزايد كمية المعلومات بشكل ضخم، إلا أن جودة المعلومات لم تصبح أفضل، وتخللت كل أنواع المعلومات المغلوطة وبخاصة الشائعات كل الشبكات الاجتماعية تقريبًا.
لقد أصبحت الشائعة بوسائل التواصل الاجتماعي تنتقى مادتها وأدواتها، وتعبر عن محتواها بالنص، والصوت، والصورة، والرسم، والفيديو، علاوة على انتشار الشائعات عبر تلك الوسائل بسهولة، لاسيما مع تحصين هوية المرسل وإخفائها، وكذلك ضعف قدرة مستهلكي الأخبار على تقدير دقة تلك الأخبار؛ نظرًا للكم الهائل من تدفق المعلومات على مستقبليها، بالتزامن مع عدم وجود حارس بوابة لتلك المواقع، وإتاحة كمية ضخمة من المعلومات خارج النطاق الجغرافى الخاص بالمستقبلين، فيصعب التحقق من الحدث، ويسهل على الآخرين القيام بمهمة التضليل، ومن ثم كانت تلك المواقع من أهم الوسائل التي ارتكزت عليها المخططات الاستراتيجية لنشر العنف والفوضى، ونشر الشائعات والأخبار المغلوطة، وزعزعة القناعات الفكرية، والثوابت العقائدية، والمقومات الأخلاقية والاجتماعية التي من شأنها إحداث بلبلة داخل المجتمع؛ الأمر الذي أصبح يمثل تهديدًا للأمن القومي للبلاد، ويشكل خطورة على سيادتها واستقرارها وسلامة أمنها السياسى والاقتصادي، والعسكري، والأيديولوجي، والاجتماعي، وسياستها العليا، وتعزيز استقلالها السياسي والانسجام الاجتماعي؛ نتيجة للحرية المطلقة التي تكفلها تلك المواقع.
وفي هذا الإطار أجرت الباحثة الدكتورة يسرا حسني عبدالخالق حسان المدرس بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة أسيوط دراسة مهمة للتعرف على دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الشائعات، وأهم العوامل التي تسهم في ذلك الانتشار، وتأثير انتشار الشائعات على الأمن القومي المصري، وكذلك اهتمت الدراسة بكيفية مواجهة الشائعات من وجهة نظر الجمهور، ودور الأجهزة الرسمية في مجابهتها والحد من نطاق انتشارها. وتأتي أهمية الدراسة تزامنًا مع التحولات والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة العربية؛ مما يستوجب ضرورة دراسة الشائعات، بوصفها واحدة من أهم أساليب الحرب النفسية المؤثرة على مسار تلك التحولات والأزمات، وأُجريت الدراسة على عينة بلغ حجمها (٣٠٠) مبحوث.
وأوضحت نتائج الدراسة أن من أهم العوامل المؤثرة على نمو وانتشار الشائعات بالمجتمع وفقًا لرؤية عينة الدراسة هي غياب المعلومات الواضحة والدقيقة بنسبة (٦١.٣٪)، وتعكس هذه النتيجة أهمية المعلومات في العصر الراهن كقوة استراتيجية تؤثر على فعالية إدارة الدولة لاستراتيجياتها الاتصالية في التعامل مع الرأي العام، فالتعامل مع الشائعات جزء مهم ورئيس في إدارة الدولة لأمنها القومي، لاسيما في ظل أوقات التحول الديمقراطي والتي يمثل فيها عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بيئة خصبة مهيأ بها سرعة انتشار الشائعات، وهو ما يتعين معه أن تطور الدولة استراتيجياتها في الاتصال، ومد الجمهور بالمعلومات والبيانات الصحيحة والدقيقة؛ وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن منظومة إتاحة المعلومات في مصر تواجه عدة تحديات، منها:
■ تفشى ثقافة السرية وعدم شفافية إتاحة المعلومات داخل المؤسسات.
■ عدم وجود سياسة أو استراتيجية قومية للإحصاء والمعلومات، وعدم وضوح دور «المنظم» فى إطار النظام القومي للإحصاء والمعلومات.
■ ضعف آليات التنسيق بين الجهات المنتجة والمستخدمة للبيانات، وما يرتبط بذلك من تضارب البيانات، وعدم اتساقها، واختلاف التعريفات والمنهجيات، وكذلك تعدد الجهات المنتجة للبيانات والمعلومات حول نفس الموضوع.
■ غياب آليات مراقبة جودة البيانات، بما يؤثر على المصداقية والثقة في البيانات الصادرة، فضلًا عن تأثيرها السلبي على اتخاذ القرار.
■ عدم تحديث الإطار التشريعي بما يتناسب مع تطبيق المعايير العالمية لتنظيم جمع ونشر وتداول البيانات بسهولة، وفي التوقيت المناسب.
■ قصور برامج إعداد القدرات البشرية المؤهلة، وغياب المهارات المطلوبة لدعم فعالية وكفاءة النظام القومي للإحصاء والمعلومات.
■ الطبيعة المزدوجة للجهات العاملة في منظومة الإحصاءات والمعلومات في مصر، حيث تقوم بعض هذه الجهات بإنتاج بيانات خام باعتبارها المصدر الرئيسي لها، في الوقت الذي تقوم فيه بنشر بيانات ومعلومات منقولة عن مصادرها الأساسية.
وأظهرت النتائج أن من أدوار الأجهزة الرسمية لمكافحة الشائعات ضرورة إصدار البيانات الصحفية فور ظهور الشائعات؛ وهو ما يتعين معه زيادة النشاط الاتصالي من أجهزة الدولة لمواجهة الشائعات، وتوفير آلية لإدارة الرسائل ومحتواها، وشكل التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة وبشكل خاص أثناء الأزمات، وكذلك تكوين وتجهيز ردود فورية للأحداث الطارئة، ومد وسائل الإعلام بكل المعلومات للحد من انتشار المعلومات المغلوطة، والتي يستغلها بعض الأفراد أو الجهات لزعزعة استقرار الدولة.
وأوضحت النتائج ارتفاع وعي المجتمع وإدراكه لخطورة الشائعات، حيث جاءت الموافقة بشكل مرتفع جدًا على العبارات المتعلقة بالشائعات وتأثيرها على الأمن القومي، فقد اتفقت عينة الدراسة على أن الشائعات من شأنها التأثير على الأمن القومي بكل مجالاته، وترتبط تلك النتيجة بما يعيشه الشعب المصري من حالة انتشار الشائعات بشكل كبير، وبتداعياته على الحياة السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، والتي تظهر بوضوح في حالة الاستقطاب الفكري بنشر المعلومات المضللة، والتي تعمل على زيادة حالة الانقسام بين أفراد المجتمع، كذلك حالة التوتر التي يشهدها المجتمع؛ نتيجة انتشار المعلومات المضللة، والتي تهدف إلى التشكيك في جهود التنمية الاقتصادية للدولة، وبلبلة الرأى العام ونقص الثقة في الحكومة وأجهزتها.
إن ذلك كله يتطلب تحليل الشائعات بمختلف أبعادها؛ لتحقيق إدراكٍ جيدٍ ودقيقٍ لطبيعة وحجم الشائعات المثارة؛ ومن ثم توقع التطورات المستقبلية للهدف منها، للحفاظ على استقرار المجتمع.