وقع فريق ترامب للسياسة الخارجية فى حيص بيص، بشأن الخطوة التالية الواجب اتخاذها فى سوريا: إسقاط النظام، أم تكثيف المساعدات للثوار، أم الرد على أى هجمات جديدة على المدنيين الأبرياء؟ ولكن حين يشتد الضغط، هناك فكرة يبدو أن جميع أفراد الفريق يتفقون عليها: «هزيمة داعش»، مثلما يقول وزير الخارجية ريكس تيلرسون. حسنًا، دعونى أزد من حيرتهم عبر طرح سؤال واحد: لماذا؟
لماذا ينبغى أن يكون هدفنا فى الوقت الحالى هو هزيمة «داعش» فى سوريا؟ بالطبع إن «داعش» تنظيم بغيض وينبغى القضاء عليه، ولكن هل من مصلحتنا حقًا التركيز فقط على هزيمة «داعش» فى سوريا فى الوقت الراهن؟ لنحلل الأمور بشكل منطقى، هناك فى الحقيقة شكلان لـ«داعش».
الأول هو «داعش الافتراضية». إنها شيطانية، وحشية، ولا شكل لها. تقوم بنشر أيديولوجيتها عبر الإنترنت، ولديها أتباع عبر أوروبا والعالم الإسلامى. وفى اعتقادى، فإن هذا النوع من «داعش» هو التهديد الرئيسى المحدق بنا، لأنه وجد طرقًا لنشر أيديولوجيته الجهادية السُنية التى تُلهم وتمنح الإذن لأولئك المسلمين الذين يعيشون على هامش المجتمع ويشعرون بالمهانة والإذلال من لندن إلى باريس إلى القاهرة لاستعادة كرامتهم عبر عمليات قتل للأبرياء تتصدر عناوين الأخبار.
أما الشكل الآخر الذى يتخذه، فهو «داعش الميدانية». إنها ما زالت تسيطر على جنوب غرب العراق وقطاعات أوسع فى سوريا، وهدفها هو هزيمة نظام بشار الأسد فى سوريا إضافة إلى حلفائه الروس والإيرانيين ومن «حزب الله» وكذلك هزيمة النظام الشيعى الموالى لإيران فى العراق، واستبدالها بدولة الخلافة.
التحدى الأول: إن «داعش الافتراضية»، التى تملك أتباعًا عبر العالم، لن تختفى حتى فى حال هزيمة «داعش الميدانية»، وأعتقدُ أن أذى «داعش الافتراضية» سيزداد قوة وتوسعًا قصد التغطية على حقيقة أنها فقدت الخلافة الميدانية لأعدائها اللدودين: إيران الشيعية، و«حزب الله»، والميليشيات الشيعية فى العراق، ونظام الأسد الموالى للشيعة فى دمشق، وروسيا، ناهيك عن أمريكا.
التحدى الثانى: إن هدف أمريكا فى سوريا هو خلق ما يكفى من الضغط على الأسد وروسيا وإيران و«حزب الله»، حتى يتفاوضوا حول اتفاق لتقاسم السلطة مع المسلمين السُنة المعتدلين وتنحى الأسد من السلطة. وإحدي طرق تحقيق ذلك تكمن فى خلق الناتو لمنطقة آمنة يُحظر فيها الطيران فى محيط محافظة إدلب، حيث يحتشد الكثير من الثوار المناوئين للأسد وحيث ألقى الأسد مؤخرًا قنابل الغاز السام على المدنيين. ولكن الكونجرس والجمهور الأمريكى يبدون تحفظًا على ذلك بالطبع.
وعليه، فماذا يمكننا أن نفعل عدا ذلك؟ إننا نستطيع أن نزيد بشكل كبير ونوعى من مساعداتنا العسكرية للثوار المناوئين للأسد، بحيث نمدّهم بما يكفى من الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات لتهديد المروحيات والمقاتلات السورية والإيرانية والروسية وتلك التابعة لـ«حزب الله»، وجعلهم ينزفون دمًا إلى الحد الذى يجعلهم يرغبون فى مفاوضات مفتوحة. وشخصيًا، لا أرى مانعًا فى ذلك. وماذا بعد؟ يمكننا بكل بساطة التوقف عن محاربة «داعش الميدانية» فى سوريا وجعلها بالكامل مشكلةً لإيران وروسيا و«حزب الله» والأسد. ففى نهاية المطاف، إنهم هم من يتحمل عبء الحرب فى سوريا، وليس نحن. ولنجعلهم يخوضون حربًا على جبهتين الثوار المعتدلين على جانب، و«داعش» على الجانب الآخر. أما إذا هزمنا «داعش الميدانية» الآن، فإن ذلك لن يؤدى إلا إلى تخفيف الضغط على الأسد وإيران وروسيا و«حزب الله» ويمكّنهم من تعبئة كل مواردهم لسحق الثوار المعتدلين فى إدلب، وليس تقاسم السلطة معهم.
إننى لا أفهم. فالرئيس دونالد ترامب يعرض الآن هزيمة «داعش» فى سوريا بالمجان ثم الانتقال بعد ذلك إلى دعم الثوار المعتدلين المناوئين للأسد وتقويتهم. ولكن لماذا؟ متى كانت آخر مرة قدّم فيها ترامب، رجل الأعمال الذى يقول عن نفسه إنه يجيد التفاوض وعقد الصفقات المربحة، شيئًا بالمجان؟ إن هذا هو الوقت ليكون ترامب هو ترامب شخصية لا يمكن التوقع بأفعالها ولا تهمها إلا مصلحتها الخاصة. فـ«داعش» اليوم هو أكبر تهديد يواجه إيران و«حزب الله» وروسيا والميليشيات الشيعية الموالية لإيران لأن «داعش» تنظيمٌ إرهابى سنى يلعب بقذارة على غرار إيران.
ولا شك أن على ترامب أن يرغب فى هزيمة «داعش» فى العراق. ولكن فى سوريا؟ ليس بالمجان، وليس الآن. بل على ترامب أن يترك «داعش» فى سوريا لتبقى مشكلة الأسد وإيران و«حزب الله» وروسيا تمامًا على نحو ما فعلنا عندما شجّعنا المقاتلين المجاهدين على إصابة الروس بنزيف فى أفغانستان. صحيح أننا على المدى الطويل نريد سحق «داعش» فى كل مكان، ولكن سحق «داعش» والإبقاء عليها مسحوقة على الميدان لن يتحقق إلا إذا كان لدينا سنة معتدلون فى سوريا والعراق قادرون وراغبون فى الحلول محلها. والحال أن هؤلاء لن يظهروا إلا إذا كانت ثمة اتفاقات حقيقية لتقاسم السلطة فى سوريا والعراق وذلك لن يحدث إلا إذا شعر الأسد وروسيا وإيران و«حزب الله» بالضغط لتقاسم السلطة. وعليه، فيجدر بنا ألا نساعدهم على الإفلات من المأزق الذين هم عالقون فيه، بل علينا أن نجعلهم يتحمّلون وزر الدور الذى أخذوا يلعبونه فى سوريا حلفاء بلد لا يتوانى عن استعمال الغاز السام ضد الأطفال. وصدّقوا أو لا تصدّقوا، إن هذه التسمية لن تعجبهم. كما يجدر بترامب أن يستخدم حسابه على تويتر بشكل استراتيجى. وإذا كان باراك أوباما لم يلعب هذه الورقة أبدًا من قبل، فعلى ترامب أن يستعملها كل يوم لأن لها تأثيرًا فعالًا. إن سوريا ليست ناديًا اجتماعيًا، فالجميع هناك يلعب ألعابًا قذرة ويسلك مسالك ملتوية لا رحمة فيها ولا شفقة.
نقلا عن «الاتحاد» الإماراتية