في مشهد ساده حالة الانتظار والترقب والخوف، بعد صراع شديد الوطاس بين أعضاء لجنة تعديل الدستور، شهدت وملايين المصريين فرحة ودموع أعضاء اللجنة وتعليقاتهم بعد الانتهاء من العملية التصويت على مسودة الوثيقة الدستورية الجديدة. وما لاحظته فى البداية هو عملية التصويت الإلكتروني التي تمت، وقلت لنفسي "ما احنا نقدر نطبق التصويت الإلكتروني داخل قاعات المجلس"، وتمنيته من تطبيقه على باقي قاعة مجلس الشعب.
وبغض النظر عن هذا المشهد فقد تناولت في المقال السابق عن "الخرائط التصويتية المحتملة" للاستفتاء على الدستور، وما هي الكتل التصويتية لدى كل تيار سياسي. وفي هذا السياق، تم التأكيد على أن ترجيح كفة أي فريق من الفرق السياسية يعتمد بالأساس على "الكتلة الصامتة" التي لم تشارك في أية استحقاقات انتخابية منذ اندلاع الثورة حتى الآن.
والسؤال، هل نتيجة التصويت داخل لجنة الخمسين ستكون مؤشرًا على التصويت الجمعى للمصريين؟ الإجابة بالقطع "لا" فحالة التوافق داخل اللجنة هى حالة "استثنائية" أو بالأحرى "مؤقتة"، والدليل على ذلك أنه لو تم إجراء تصويت على نفس الوثيقة بعد فترة شهر بين أعضاء لجنة الخمسين، ستأتي نسب الموافقة على بعض المواد مغاير عن تلك التى جرت هذا الأسبوع.
ومفاد ما سبق، أن الوثيقة الدستورية هى نتاج جهد بشري بالأساس،ربما لا تحظى بحالة إجماع بين عموم المصريين، وهذا بالتأكيد الطبيعي في مثل هذه الظروف الاستثنائية، ولكن على الأقل ستكون هناك أغلبية موافقة عليها.
ربما يكون فى الوثيقة – من وجهة نظر البعض- بعض المواد التي ليس لها أية أهمية لكي يتم وضعها في دستور البلاد، وأنه كان يجب ترك بعض التفاصيل التي وردت به للقانون لكي يحددها، وأن مواد الدستور يمكن تصفيتها جميعا في عدد محدود من المواد، كل هذا وارد... ولكن الأهم الآن هو التقدم خطوة للمستقبل وتنفيذ خارطة المستقبل وتسليم البلاد لرئيس مدني منتخب.
وفي هذا الإطار، لا بد من تسويق الوثيقة الدستورية، والمقصود بالتسويق لا يعني حملات إعلانية فقط ولكن شرح مواد الدستور بكل شفافية وموضعية وأبراز الإيجابيات والسلبيات، لأنه فى النهاية عمل بشري كما ذكرت سابقًا، وأن الكمال لله وحده، وهنا اقترح ما يلي:
1- حملات شعبية واسعة النطاق، تقوم بها الحركات الشبابية التى شاركت – أو لم تشارك- فى وضع الدستور، وهنا اقترح على حركة تمرد، والتيار الشعبي، وشباب الأحزاب، بالنزول إلى كل الميادين والمحافظات لشرح مواد الدستور قبل إجراء الاستفتاء.
2- قيام أعضاء لجنة الخمسين بعقد ندوات ومؤتمرات داخل مؤسساتهم أولًا، ثم فى المحافظات لشرح وتفسير أجواء وضع الدستور، وأهم النقاط الإيجابية والسلبية فى الوثيقة.
3- عمل برنامج تلفزيوني متخصص يومي باسم "إعرف دستورك" يستضيف فقط أعضاء لجنة الخمسين، وذلك لشرح كل أبواب الدستور وعرض وجهة نظر اللجنة والآراء المختلفة في كل مادة من مواده.
4- للجنة العليا للانتخابية، ودورها يقتصر فقط على تشجيع المواطنين للمشاركة وأبداء آرائهم، سواء أكانت بالإيجاب أو السلب.
وفى النهاية، يبقى القول أن هناك ضرورة ملحة لكي نتقدم خطوة للأمام، حتى ولو كانت هناك بعض النواقص، لأنه لا يعقل بأن تستمر البلاد في حالة "هياج ثوري" وتعيش على المعونات الخارجية، بدون بدء مرحلة البناء.