الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الانتماء الإسلامي وحركة النهضة العربية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد عرفنا منذ بداية الخلافة الراشدة وحتى نهاية الخلافة العثمانية أنواعاً شتى من تداول السلطة: عرفنا التوريث، وعرفنا انتقال السلطة للأقدر على الاستيلاء عليها بالقوة، وعرفنا أيضاً بيعة النخبة أو ذوي الحل والعقد، وعرفنا تفويض الحاكم لمجموعة يراها الأصلح لاختيار القائد القادم من بينهم، ولكننا لم نعرف قط طوال تلك العصور حاكماً تم اختياره لمدة محدودة، ولا حاكماً تم اختياره من خلال تصويت المواطنين جميعاً دون تمييز، بل ولم نشهد قط خليفة اختار والياً من أبناء القطر الذي يوليه عليه، بل كان الولاة يختارون دائماً من أبناء عاصمة الخلافة.
ولم تكن تلك الأنماط في تداول السلطة في تاريخنا الإسلامي راجعة إلى نقص في معرفتنا أو لعجز في قدراتنا، بل كنا في ذلك جزءاً من العالم الذي حولنا: عالم الفراعنة والأباطرة والسلاطين والملوك والخلفاء والقياصرة وغيرهم من الحكام الذين يمثلون ظل الله على الأرض، ومع نشأة "الدولة الغربية الحديثة" انبثقت من رحمها المواطنة فكراً وممارسة، ومع تطور مجتمعاتنا التقط بعضنا فكرة الدولة المدنية بمفهومها الذي يتعارض مع خبراتنا الفكرية عبر تاريخنا الممتد، فأثارت ما يثيره كل جديد من صراع فكري وسياسي بين سلطة قائمة وسلطة قادمة، ولعل آثار هذا الصراع القديم تبدو جلية حتى يومنا هذا رغم ما هو شائع بين أغلبيتنا، إننا قد حسمنا أمرنا لصالح المواطنة؛ فمازلنا نقدم خطوة ونؤخر أخرى: يشدنا أحيانا بريق قيم المواطنة فنندفع نحوها، ويشدنا أحياناً حلم استعادة عصر الخلافة فنوشك أن نولي ظهورنا للمواطنة، بل وللانتماء للدولة؛ بحيث يصبح الانتماء الديني بديلاً للانتماء الوطني، وفي ظل هذا الشد والجذب الذي يستنفذ جانباً كبيراً من طاقاتنا الفكرية ومن جهدنا الوطني، تتضخم ظاهرة فكرية يكاد لا يعرفها سوانا، وهي بذل أقصى الجهد لإثبات أنه لا جديد في العالم لم نسبق إليه غيرنا سواء كان اكتشافاً علمياً أو تطوراً فكرياً، ونصبح أقرب إلى الخجل من ماضينا إذا ما اكتشفنا زيفا ما حاولنا إلصاقه بتاريخنا، رغم أنه ليس في الأمر ما يدعو لخجل أو استخذاء؛ ففي ماضينا شأن ماضي غيرنا نقاط إشعاع مضيئة ونقاط انتكاس مظلمة، وتبقى حقيقة أن إنجازات البشر ملك للبشر جميعاً، وأن تخلفنا العلمي عن الغرب ينبغي أن يدفعنا إلى محاولة اللحاق به في دنيا الواقع دون سعي عقيم للتنقيب عن جذور ذلك التقدم في تراثنا، بحيث ننتهي إلى أن ذلك الجديد ليس بجديد، ومن ثم، فلا مبرر لمحاولة اللحاق به.
ومن ناحية أخرى لا ينبغي أن ننساق إلى خلط شائع بين العدل والتواضع وحسن المعاملة وغيرها كمفاهيم أخلاقية من جانب وبين المواطنة كمفهوم سياسي حديث، العدل على سبيل المثال قيمة أخلاقية حضت عليها الأديان والعقائد جميعاً، وتاق إليها البشر من فجر البشرية؛ بحيث لم يخل التاريخ القديم من حاكم يعامل رعاياه أو حتى عبيده بالعدل والرحمة وفقاً لمعايير العصر، فلا ينقصهم حقاً من حقوقهم، بل يرد عنهم ظلم الغرباء، ولكن دون أن يصل الأمر إلى القبول باشتراكهم معه على قدم المساواة في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة شئون الجماعة، واختيار قائدها لفترة محدودة، وهذا هو الفارق بين العدل كقيمة إنسانية مطلقة عرفها البشر ومارسها بعضهم منذ القدم، وبين أن يذهب الجميع لاختيار قائدهم لمدة محدودة سلفاً، وأن يكون لكل منهم صوت متساوي مع صوت الآخر في ذلك الاختيار وفي غيره من شئون الجماعة.
إنها علاقة السيد بالعبد، وهكذا بشكل أو بآخر كانت معاملة الأقليات القومية والدينية في ظل الدول العقائدية ومنها دولة الخلافة العثمانية التي تعددت الأقليات القومية تحت مظلتها، ولعلها- أي علاقة العبد بالسيد- مازالت تحكم علاقة العديد من الحكام بشعوبهم في عصرنا الحاضر.