كانت الضربة الأولى.. بقيام مدمرتين تابعتين للبحرية الأمريكية، والكائنتين بشرق البحر المتوسط بإطلاق ٥٩ صاروخًا من أحدث ما أنتجته ترسانة الأسلحة الأمريكية من طراز «توماهوك» على قاعدة «الشعيرات» العسكرية الجوية بريف حمص وسط سوريا، واستهدفت طائرات وحظائر طائرات محصنة، ومناطق تخزين الوقود، والإمدادات اللوجيستية، ومخازن للذخيرة، وأنظمة دفاع جوى وأجهزة رادار.
الأمر الذى أدى إلى تدمير ٦ مقاتلات ميج ٢٣، ومقتل وإصابة ١٠ من بينهم عميد، وقلل الخسائر قيام الجيش السورى بإخلاء القاعدة من المعدات، والإقرار قبل الهجوم بفترة وجيزة، وإلا أدى الأمر إلى حدوث كارثة، وطال القصف قرى الحمرات، والشعيرات، والمنزول، مما أحدث دمارًا كبيرًا فى المنازل، وهذه القاعدة الجوية تعد قوة دعم جوى أساسى للجيش العربى السورى فى ملاحقة تنظيم داعش شرق حمص، وخصوصًا فى محيط مدينة تدمر الأثرية، التى استردها الجيش من قبضة داعش، وكذلك حقول الغاز والبترول، وسبب الضربة هى الاتهام الملفق من قوى المعارضة للجيش السورى باستخدام الأسلحة الكيميائية فى هجومه على مدينة خان شيخون فى إدلب، انطلاقًا من قاعدة الشعيرات، مما أسفر عن مقتل ٦٠ شخصًا متناسين عدم قيام هذا الاتهام على دليل حقيقى، ومتناسين أيضا أن ترسانة الجيش السورى من ازاسلحة الكيميائية قد تم تدميرها بالكامل فى عام ٢٠١٣.
بعدما اتهمته الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية بشن هجوم كيميائى فى منطقة الغوطة الشرقية، وقبل إجراء تحقيق دولى محايد -خاصة- أن النظام السورى قبل ذلك، وكذلك روسيا، وتزامن مع هذه الضربة قيام مسلحى تنظيم داعش بشن هجوم على إحدى نقاط الجيش السورى المكلفة بحماية طريق حمص الفرقلس فى تدمر، ونجحوا فى الاستيلاء على نقطة التفتيش إلا أن الجيش السورى العربى نجح فى استردادها مرة أخرى.
كما أقر مجلس النواب الأمريكى بعد ساعات من هذه الضربة قانونًا يفوض إدارة دونالد ترامب بإرسال صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف من طراز «مايناد» لقوى المعارضة السورية، وهذا يتعارض مع التوجهات الدولية التى كانت تؤيدها الإدارة الأمريكية بفرض حظر على نقل أسلحة محمولة على الكتف إلى جهات لا تعتبر دولا، وقبل قيام ترامب بإصدار قراره بالهجوم.
قام بلقاء عدد من العسكريين الأمريكان، وهم: وزير الدفاع جيمس ماتيس الجنرال الأمريكى السابق بمشاة البحرية، وقائد الفوج السابع فى الحرب الأفغانية، ويتباهى بإطلاق النار على الطالبان، وقاد الفرقة الأولى فى حرب العراق، وأُطلق عليه «الكلب المجنون» بعد أن شن حرب إبادة، وسحق المقاومة العراقية فى معركة الفلوجة ٢٠٠٤، وتم إحالته إلى التقاعد بسبب اعتراضه على الاتفاق النووى الأمريكى - الإيرانى أبان فترة أوباما، وتحمسه للمواجهة العسكرية مع إيران، ومستشار الأمن القومى إتش أرما كماستر، ودان كواتس مدير المخابرات الوطنية، وطرحوا عليه عددا من الخيارات، فاختار هذه الضربة، وقام بإخطار بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل وبعض دول الخليج، والسعودية، وأيدت إسرائيل هذه الضربة، حيث أصدر مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بيانًا أكد فيه أن إسرائيل تدعم بشكل كامل قرار الرئيس الأمريكى، وتأمل أن تكون هذه الرسالة القوية فى مواجهة تصرفات بشار الأسد المشينة مسموعة ليس فقط فى سوريا، بل أيضًا فى طهران وبيونج يانج، وغيرها، وفرحة إسرائيل بهذه الضربة أنها جاءت بعد أيام معدودة من نجاح الدفاعات الجوية السورية فى إسقاط إحدى الطائرات الإسرائيلية، التى تعودت على اختراق المجال السورى الجوى، وضرب بعض المواقع العسكرية.
كما أن هذه الضربة تأتى عقب النجاحات الكبيرة التى حققها الجيش العربى السورى، وانتصاراته، خاصة تحريره لمدينة حلب، ومدينة تدمر الأثرية، وفى طريقه لتحقيق انتصار كامل على قوى الإرهاب، والتطرف، وقبول عدد من فصائل المعارضة للحل السياسى، والتفاوض، مما أزعج الدول الداعمة لمشروع تقسيم، وتفتيت سوريا، وتدمير جيشها الوطنى، وهذه الضربة أعطت قبلة الحياة للتنظيمات الإرهابية السورية، والدول الداعمة لها، وهذه الضربة تدلل على عدم حدوث تغيير جذرى فى السياسة الأمريكية، وإدارتها الجديدة، والمسألة تغيير أشخاص لا سياسات وأن شعارات ترامب أثناء الانتخابات كانت مجرد دعاية، واستهلاك محلى خاصة وصفه سياسة أوباما بـ«المجنونة»، والغبية، وإعلانه «علينا التخلص من داعش قبل التخلص من الأسد، وأن الأسد ليس الهدف الأول بل داعش.
فالضربة التى وجهت لقاعدة الشعيرات الجوية السورية تهدف إلى إضعاف الجيش السورى، وتصديه لإرهاب داعش، ووقف انتصاراته، واستمرار مخطط تقسيم، وتفكيك سوريا لدويلات، والتخلص من الأسد بدلًا من التخلص من داعش، وباقى التنظيمات الإرهابية الأخرى التى تدور فى فلكها، وليست مسألة استخدام الجيش السورى لأسلحة كيميائية، والدليل على ذلك قيام القوات الأمريكية بضرب أحد مخازن الأسلحة الكيميائية لقوى المعارضة لتمحى الأثر فى حالة الموافقة على تشكيل لجنة تحقيق دولى!؟
أما الضربة الثانية، فكانت لمصرنا الحبيبة، والغالية، وبعد أيام معدودة من الضربة الأولى للشقيقة سوريا، حيث قام إرهابيان يرتديان أحزمة ناسفة بتفجير نفسيهما فى كنيستى «مار جرجس بطنطا، والمرقسية بالإسكندرية» فى عيد «حد السعف»، ولم يفصل بين كلا الانفجارين سوى ٣ ساعات و٥٣ دقيقة، وأسفر عن استشهاد ٢٧ شخصًا وإصابة ٧٨ آخرين، أما التفجير الثانى، ونحمد الله على نجاة البابا تواضروس بابا الإسكندرية، الذى كان مستهدفًا أثناء أدائه صلاة أحد الشعانين، وترتب على هذا الهجوم سقوط ٢٢ شهيدًا بينهم ٧ أفراد من الشرطة و٥١ مصابًا، وأعلنت وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم داعش مسئوليتها عن التفجيرات.
هذا التنظيم الذى خرج من أحشاء جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وتقوم بدعمه ماليًا وبالأفراد والصلة واضحة وضوح الشمس من خلال الاعترافات، والمضبوطات التى تم العثور عليها، كما أن هذا التنظيم تم إعداده، وصناعته على يد المخابرات المركزية الأمريكية فى مراكز الاحتجاز الإدارى، والاعتقال، والسجون العراقية أبان احتلال أمريكا لها، حتى يحل محل تنظيم القاعدة، وانتشر بسرعة البرق فى سوريا، والعراق، وليبيا، وتونس، ومصر، وهذان الهجومان يأتيان عقب النجاحات التى حققتها قوات إنفاذ القانون المكونة من الجيش، وقوات الأمن، وتوجيهه ضربات قاتلة لتنظيم بيت المقدس، وجماعة الإخوان الإرهابية، وأذرعها العسكرية الداعمة لتنظيم داعش، سواء قيام الجيش المصرى البطل باقتحام وتطهير جبل الحلال من الإرهابيين، وضرب مراكز قيادته، والجواسيس الأجانب الذين يشرفون على تدريبه، وغسيل الأموال من خلال زراعة وتجارة المخدرات، وكذلك بمزارع أبوطبل بالعريش، هذا بخلاف النجاحات الأخرى، ومن بينها الزيارة الناجحة للرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أمريكا أيا كانت الذى تفعله، وتنقية الأجواء ما بين السعودية ومصر، من خلال القمة العربية، وهذا يقودنا إلى نتيجة مهمة، وأساسية علينا أن نتسلح بها، أن مخطط التقسيم، والتفكيك، والتفتيت للدول العربية ما زال قائمًا، وكل ما فى الأمر تم توقفه فترة، إلا أنه عاد مرة أخرى، ولا يغشنا تغيير الأشخاص، والإدارات، لأنه سياسة ثابتة منذ اتفاقية الدبلوماسيين البريطانى مارك سايكس، والفرنسى جورج بيكو عام ١٩١٦ «اتفاقية سايكس بيكو»، لتوزيع الغنائم والمقاطعات الإمبراطورية العثمانية، ثم أعقبها وعد بلفور ١٩١٧ وقيام دولة إسرائيل فى عام ١٩٤٨، وكلها مشاريع تهدف إلى بقاء، وقوة إسرائيل، وسيطرتها على البلاد العربية من خلال تأسيس الشرق الأوسط الجديد فى عام ١٩٩٣، الذى طرحها رئيس دولة إسرائيل شيمون بريز، بمحاولة دمج إسرائيل فى شق تعاونى مع بقية الدول العربية، على أن تكون إسرائيل هى القائد الأساسى للمنطقة، وهو مخطط ثابت، ويسير فى طريقه، فإذا كانت إدارة أوباما تبنت سياسة إشاعة، ونشر الفوضى من خلال ما يسمى بـ «ثورات الربيع العربى» مستخدمة سخط المواطنين ضد رؤسائهم بسبب استبدادهم، وإسقاط الدول العربية، وتدمير جيوشها، وتقسيمها إلى دويلات صغيرة على أسس دينية، وعرقية، وطائفية، واستعانت بإسرائيل وتركيا وقطر، وجماعة الإخوان الإرهابية، فإن إدارة ترامب تسير على النهج ذاته، وتسعى لإصلاح الأخطاء التى وقعت فيها إدارة أوباما، خاصة أنه رجل أعمال ويهمه توسيع الاستثمارات الأمريكية، وبسط نفوذ الاحتكارات الأمريكية، خاصة احتكارات صناعة الأسلحة، وإشعال الحروب من أجل ضمان ازدهار تجارة الأسلحة، ولا أمل لنا سوى الاصطفاف العربى، والشعبى، وتنمية قوانا الذاتية من أجل دفن مخطط التفتيت، والتقسيم، وإيهام أى حاكم عربى أنه سينجو من هذا المخطط، والمسألة ترتيب الأولويات، وبإذن الله سننتصر بوحدتنا واصطفافنا.