بدلًا من أن يشحذ الأزهر الشريف همم مفكريه لمواجهة منابع التطرف فى الفقه الإسلامى، أشهر سيف الترهيب الفكرى والابتزاز العقائدى ضد كل من انتقد تقاعسه عن المضى فى درب نقد التراث وتنقيته من الشوائب التى كرست الإرهاب والعنف باسم الدين والدفاع عن ثوابت مزعومة.
رجال الأزهر اعتبروا أن كل نقد يوجه إلى الأزهر وعلمائه هو فى حقيقته هجوم على الدين الإسلامى ذاته، وكأننا عدنا مرة أخرى إلى العصور الوسطى، عندما كان الهجوم على السلطة الكنسية ورجال الدين يعنى الهرطقة. ليس القول إن الهجوم على الأزهر هجوم على الإسلام ورفض للدين، إلا إشهار لسيف التكفير، لكننا وبسبب احترامنا للعمامة الأزهرية نخجل من الجهر بهذا الواقع وربما نرفض تصديقه.
نشرت صحيفة «القدس العربي» بتاريخ ١٧/٤/٢٠١٧ تحت عنوان: «غضب أزهرى من هجوم إعلاميى النظام المصري»، تصريحات أمين عام الدعوة الإسلامية بالأزهر محمد زكى بدار، وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور طه أبو كريشة، قال فيها بدار: إن الهجوم على الأزهر هجوم على الإسلام ذاته، ووصف منتقدى الأزهر بالملاحدة والشيوعيين والزنادقة الذين يريدون الإنسانية بلا إسلام، وأكد أن مهاجمى الأزهر ينفذون أجندات أمريكية وصهيونية وينتمون إلى إعلام الرخص والعهر.
بينما كان الدكتور أبو كريشة أقل حدة؛ حيث لم يتهم منتقدى الأزهر بالإلحاد والزندقة، واكتفى بوصفهم بالعلمانيين، الذين لا يريدون لأحد أن يواجه انحرافاتهم الأخلاقية ويبغضون كل أمر يتصل بالدين، إن لم يكن هذا تصريح بالتكفير.. فماذا يعنى بالضبط؟!
إذا لم يعتذر الدكتور بدار عن تصريحاته تلك واتهامه لمنتقدى أداء الأزهر ورجاله بالإلحاد والزندقة، فلا أظن أننا فى حاجة إلى دليل أقوى من هذه التصريحات على أن منهج جماعة الإخوان الإرهابية وأفراخها من السلفيين والدواعش، إنما تعلموه من ذلك النهج الذى يكفر كل مخالف، ويعتبر الناقد للمؤسسة أو الجماعة مرتد عن الإسلام وكافر به.
المثير للشفقة والسخرية فى آن واحد، أن بدار الذى رفض كل نقد يوجه للأزهر، قال فى التصريح نفسه إن نقد السلطة السياسية، ويعنى الرئيس عبدالفتاح السيسى، للأزهر ليس غضبًا، وإنما من باب توجيه ولى الأمر للمؤسسة. لا أعرف بأى مصطلح سياسى يوصف هذا الموقف، لكن القاموس السياسى ثرى بالمصطلحات ذات الدلالات المعبرة عن مثل هذه الحالات، مع العلم أن منتقدى أداء الأزهر ورجاله لم يزيدوا عما قاله الرئيس خلال السنوات الماضية فى أكثر من ١٦ مناسبة، بل إن سقف نقده كان أقل بكثير من سقف الرئيس. والجميع فى نهاية الأمر سواء الرئيس أو المثقفين والإعلاميين، إنما يفعلون ذلك لوعيهم بمكانة الأزهر التى لا يدركها من عينوا أنفسهم حراسا له باسم الدين.
أغلب الظن أن هذه الحملة التى يشترك فيه أزهريون وإعلاميون أيضا لإضفاء هالة من القداسة على كل ما هو أزهرى، تستهدف وأد أى دور للمجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، الذى أعلن الرئيس عن تأسيسه؛ فهم يسعون إلى أن يظل الأزهر محتكرا للخطاب الدينى وعملية تجديده، ويظل الفريق القابض على التراث القديم بكل شوائبه المتحكم الوحيد ليناور المجتمع فى رغبته لتجديد الخطاب والفقه، بتصدير مفاهيم مغلوطة لمصطلح التجديد، تحاول الترويج إلى أمور متغيرة، باعتبارها من ثوابت الدين وأركانه الأساسية، فيشغلوننا بمعركة الدفاع عن ثوابت الأمة التى طالما رفع لواءها كل الجماعات الإسلامية الإرهابية، ليستروا عوراتهم الفكرية والسياسية.
أول المحاربين والمعرقلين لدور المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب فى عملية تجديد الخطاب الدينى وتفكيك فقه العنف والدم، سيكون رجال الأزهر المتسلفين أو المستفيدين من شيوع السلفية الوهابية، وسيحاولون أن يكونوا هم الممثلون للأزهر فى المجلس، لذلك فإن الدولة مطالبة بالتدخل الواضح فى عملية اختيار كل أعضاء المجلس، خاصة أن الرئيس صاحب المبادرة فى الدعوة لتجديد الخطاب الدينى بجرأة وشجاعة فكرية نادرة، على أن يمثل الأزهر علماء مثل الدكتور سعد الدين الهلالى، يسيرون على نفس دربه ومنهجه العلمى، وبالطبع لا ينبغى أن يغيب عن هذا المجلس فلاسفة ومفكرون بوزن الدكتور مراد وهبة، هذا إذا كنا جادين بشأن دور هذا المجلس.
Alielfateh25372@yahoo.com