أقول للزملاء في الهيئة الوطنية للإعلام، التي تم تشكيلها أخيرًا مع باقي الهيئات المسئولة عن الصحافة والإعلام «كان الله فى عونكم»، لأن المهمة ليست سهلة، ولكنها أيضًا ليست مستحيلة، وأعتقد أن أمامكم طريقًا غير معبد ملىء بالحفر والمطبات، لكنكم لديكم المقدرة على تجاوز سلبيات المرحلة السابقة وإعادة الحياة من جديد إلى إعلام الدولة المفترى عليه، ونصيحتي لكم التعامل بواقعية وحسم مع مشكلاته، وبما أنكم مسئولون عن إعلام الدولة، من الطبيعي ووفقًا للقانون، سيؤول لكم اتحاد الإذاعة والتليفزيون بكل ما له وما عليه، بعبارة أخرى، إنكم أصبحتم مسئولين عن مشكلات مبنى ماسبيرو، وبالتالي دعونا نتكلم بصراحة، إياكم أن تبنوا قصورًا على الرمال أو تكونوا تحلمون أكثر من اللازم، وتوقعوا أن هناك عوامل ستثبط من عزيمتكم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، حالة الفوضى والانفلات الإعلامي، وللأسف ليس سببها إعلام الدولة المجني عليه فى زحمة القيل والقال، ومحاولة إلصاق تهم به هو منها براء.
إن المسئول عن الفوضى الإعلامية هو بعض قنوات الإعلام الخاص، الذي انحدر بوعي المتلقي خلال السنوات الأخيرة، ونظرة على المشهد الإعلامي نجد قنوات فضائية تبث برامجها من عشوائيات تحت السلم ومنقولة عبر أقمار اصطناعية في المنطقة العربية لا علاقة لها بالناقل الوطني «نايل سات»، وبالمناسبة أقدم كل التحية لرئيسه اللواء أحمد أنيس وزير الإعلام الأسبق، الذي حافظ على وطنية «النايل سات» وسط غزو أقمار أخرى تسبح في مداره نفسه (٧ درجات غرب).
وهناك قنوات أخرى نجدها تعلى من الإعلان بالنون على الإعلام بالميم، وتجعل من الوكالات الإعلانية تحكم سيطرتها على السياسات التحريرية لهذه القنوات، الأمر الذي يحول المحتوى البرامجي إلى تابع لأهداف هذه الوكالات.
ونعلم أن الهيئة الوطنية للإعلام معنية بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة المملوكة للدولة، ومعنى هذا أنها لن يكون لها أى سلطة على قنوات الإعلام الخاص التي من المفترض أنها تخضع لقانون تنظيم الإعلام الجديد والمعني به المجلس الأعلى، ورغم ذلك مطلوب من الهيئة الوطنية للإعلام في المرحلة الجديدة أن تقدم الإعلام النموذج المتحرر من عوامل تشد نحو الإسفاف والفوضى وترتقي بعقل وفكر المتلقي.
ويمكن القول إن المرحلة الجديدة يجب أن تنظر للإعلام على أنه بانٍ وليس هادمًا في وقت نحن أحوج ما يكون فيه إلى عودة الإعلام التنموي، إلى الصورة حيث لا نجد اليوم غير إعلام الصراخ والصوت العالي، وإعلام النصف الفارغ من الكوب، نحن أحوج ما نكون إلى إعلام يقود نحو آفاق من التنوير، ويقود عملية الاستنارة المجتمعية، وهي أهم من تفاصيل صغيرة إذا علقت فيها الهيئة الجديدة فإنها لن تتمكن من إصلاح الإعلام المصري، وهو الهدف المرجو من تشكيلها، حتى يبعث إعلام الدولة بشكل يكون فيه قادرًا على الأداء بمهنية عالية ووفق معايير وقيم يتفق عليها العقل الجمعي.
وأتمنى من الأخ حسين زين الذي أرجو له التوفيق أن يستمع جيدًا لأصحاب الخبرة من الذين معه في الهيئة، لأني أزعم أن لديهم رصيدًا معرفيًا بالحلول العملية لمشكلات الإعلام العام، ومن أهم أولويات المرحلة من وجهة نظري العمل على إرساء قواعد لنوع الإعلام المتخصص وهو إعلام مواجهة الإرهاب، وزين كان رئيسًا لقطاع القنوات المتخصصة، يعنى أنه يدرك أهمية مثل هذا النوع من الإعلام، ولن يستطيع القيام به غير وسائل الإعلام العامة!!