من المستحيل حل مشكلة دون الاعتراف بوجودها، التطرف الذى ينمو منذ عشرات السنين فى شرقنا الأوسط لم نعترف به، واخترنا الطريق السهل وهو دفن رؤوسنا فى الرمال لنتكلم بحماسة مكذوبة عن الإسلام الوسطى وعن التسامح، وعن المواطنة وعن عشرات المصطلحات التى هى أبعد ما تكون عن واقع بشع نعيشه جميعًا.
ولو ركزنا قليلًا فى مفهوم التسامح الذى يروج له بعض من مشايخنا لعرفنا أنه مفهوم مراوغ، حيث يحمل فى جوهره فكرة العفو عند المقدرة، كما يكرس للتسليم بخطأ ما لدى الطرف الآخر وأن الإنسانية التى طفحت على مفكري أو مكفري هذا الزمن الأعرج جعلتهم بكل غرور يغضون الطرف عن الخطأ المفترض، ويتسامون بالتسامح كقشرة تحمل تحتها حزامًا ناسفًا.
ما تشهده مصر من تنامٍ لحركات العنف المتأسلم المسلح، يجعلنا فى مفترق طرق، إما أن تواصل الدولة المعركة بالسلاح وتأكيد الاتجاه نحو المدنية والتقدم، وإما أن نخرج من التاريخ غير مأسوف علينا، أعرف أن الأزمة ليست مصرية خالصة وأنها تكاد تكون عالمية، ولكن بكل صراحة أكتب عن مصر لأنها بلادنا وللعالم رب يحميه، سيقول البعض كلامًا عن تشابك جذور الإرهاب وسيكون ردى، علينا إطفاء النار تحت أقدامنا وبعدها سنجد ألف حل.
النار التى جعلت مسيحيي مصر يتجهون إلى كنائسهم، وهم لا يضمنون العودة إلى بيوتهم سالمين، تجعل الواحد منا يمضغ العجز ولا يبلعه، لتبقى المرارة عالقة فى حلق كل مصرى، لذلك علينا الاعتراف بالمشكلة الآن وليس غدًا، فالاعتراف يجعل روشتة الخروج من المأزق أمرًا يسيرًا على مُتخذ القرار.
الوصفات الجاهزة لردع التطرف والإرهاب يعرفها الجميع حتى أننا صرنا نكره أن نردد مثل تلك العبارات التى تنادى بتنقية مناهج الأزهر والسيطرة على الزوايا المنتشرة بطرقات المصالح الحكومية، وإصدار قانون بناء دور العبادة الموحد وغيرها من أفكار من كثرة تكرارها تسلل إلينا الملل وانعدمت الثقة فى أننا سننجزها يومًا ما.
يكفى أن تدخل محطات المترو، لتعرف أن الإرهاب مثلما يبدأ فكرًا فإنه أيضًا ينمو بالإهمال والتراخى، عشرات الزوايا تحت الأرض خارج كل سيطرة أو إشراف تنتظر تجنيد الغافلين، فهل تعلم حكومتنا أن ملايين من المصريين المرهقين هم فى مرمى مصيدة التطرف بفعل التواجد الكثيف لأصحاب اللحى والجلباب الأفغانى فى كل ناصية، من الذى سمح ومن الذى سكت عن لعب المتطرفين فى المجتمع حتى صاروا سلطة يخشاها الناس بعد أن شاهد الجميع المتفجرات وهى تفعل مفعولها فى أجساد الضحايا.
هذه معركة لا تقبل أنصاف الحلول، إما النصر الحاسم وأن تعلن الدولة الفصل التام بين الدين والسياسة، وإما الهزيمة الشاملة بنمو برهامى وأشباهه من السلفيين الذين يتحينون الفرصة لهدم البلاد على رؤوس العباد، وما جمعة قندهار ببعيدة عن ذاكرتنا عندما احتلوا ميدان التحرير وهتفوا باسم أمير الإرهاب العالمى أسامة بن لادن «صور صور يا أوباما.. الميدان كله أسامة».
يخطئ مُتخذ القرار إذا اعتقد أن اللعب مع الثعابين السامة أمر مضمون العواقب، فعلها السادات عندما تحالف معهم ليواجه بهم من تبقى من الناصريين ولضرب اليسار بشكل عام، وانتهى الأمر بأن من حمل لواء الوطنية الحقة هم أبناء اليسار، بينما راحت طلائع الإخوان لتتآمر مع كل أجهزة مخابرات الدنيا.
لم يتبق لنا إلا إعادة التأكيد على بديهيات رصاصة العدو التى كانت تأتى من الشرق، ولا تُفرق بين صدر مسلم أو مسيحى، عندما وقف الاثنان معًا على مدار التاريخ لحماية بلد اسمه مصر، فكيف لعاقل على هذه الأرض أن يفهم الكلام الفارغ الذى يروجه لنا السلفيون ومطاريد الإخوان أن مسيحيى مصر مواطنون من الدرجة الثانية، هنا بالتحديد يجب على الجميع الوقوف انتباه وبعدها نقطة ومن أول السطر.