لقد تطور الجيل الجديد من الجماعات الجهادية، وابتدع وظيفة المخطط الافتراضي، الذى يقوم بالتجنيد والتوجيه لكل العمليات.
عين داعش مخططين افتراضيين للعمليات الإرهابية، ودمجهم مع جسم القيادة الجغرافية للتنظيم، حيث أصبحوا يعملون غالبًا كقادة ميدانيين، لكن فى العالم الإلكتروني.
كما تم تعيين «مخططى تنظيم داعش»، وجعلهم على رأس المسئولية وفقًا لجنسياتهم ومهاراتهم اللغوية، وبراعتهم في مسألة تجنيد المهاجمين، والتعامل معهم بصورة فعالة.
«المخططون الافتراضيون» هم جزء من قسم العمليات الخارجية في التنظيم، الذي كان يترأسه قبل مقتله أبو محمد العدناني، لذا فمعظمهم يتمركزون مع داعش في سوريا والعراق.
قالت دراسة نشرها أحد المراكز الغربية، إن هذا الأسلوب أحدث تغييرًا جذريًا في العمليات الخارجية للجهاديين، إذ استغل تنظيم الدولة التقدم الأخير في مسألة التواصل عبر الإنترنت والتشفير، بهدف هندسة عملية يستطيع عبرها كبار عملائه السريين إرشاد منفذي الهجمات الفردية، بالإضافة إلى لعب دور جوهري في الأمور المتعلقة بالمفاهيم الخاصة بالتنظيم، وانتقاء الأهداف ناهيك عن توقيت تنفيذ الهجمات.
يستطيع المخططون الافتراضيون توفير الخدمات ذاتها تلك التي تقدمها الشبكات الواقعية للعملاء السريين، ساعد هذا الأسلوب في نقل «المهاجمين المفردين» والذين يعتمدون على الإنترنت بصورة كبيرة، من أمانيهم الخرقاء في القرن الماضي إلى شيء أكثر خطورة، وأثبت هذا الأسلوب خطورته لا سيما مع الدعوات التي أطلقها مفكرون من أمثال «أبو مصعب السوري» لشن هجمات باستخدام أي من الوسائل المتاحة، ولقيت آذانًا صاغية في أوساط تنظيم الدولة، مثل قيادة سيارة واقتحام حشد من الناس أو تنفيذ عمليات طعن.
إن أسلوب المخطط الافتراضي، ووضع قيمة له مؤخرًا يتماشى مع الاستراتيجية الـشاملة للتنظيم، حيث يتحاشى الكثير من المخاطر المرتبطة بالأمن.
في حادثي كنيسة مارجرجس بالغربية، ومارمرقس، بدا أننا أمام خلايا منظمة ودقيقة، ووفق خطة محكمة لتشتيت الجهود الأمنية، جاءت الضربات في مكانين مختلفين، كما بدا أن الذين قاموا بها تم تجنيدهم في الفترة من ٢٠١١١ وحتى عام ٢٠١٣، وهي الفترة التي عانى فيها الأمن من الضعف.
لتوضيح الأمر بدقة أكبر، فإن مصر عقب ثورة ٢٥ يناير، تعرضت لانهيار أمني لم يسبق له مثيل، حتى كانت اللجان الشعبية هي التي تقوم بمهمة الأمن في أوقات كثيرة، وأصبح بالدولة مناطق متنوعة خارج السيطرة، ومنها سيناء التي وصل إليها السلاح من الشرق والغرب، وبعض مناطق الصعيد، التي تعرض فيها المسيحيون لأكبر هجمة طالت أراضيهم، ومنازلهم، وكنائسهم، وتحديدًا بمحافظة المنيا.
في هذه الفترة تدفقت جميع أنواع الأسلحة، ومنها السلاح الثقيل المتقدم، الذي وصل إلينا عبر تجارة الأسلحة من مخازن القذافي، وعبر خطة واضحة من هذه الجماعات وتم تكديسه في مخازن، وأنفاق، وفي شقق بالقاهرة، لاستخدامه واستعماله وقت الحاجة.
كما في هذه الفترة أقيمت معسكرات تدريب، وتحديدًا بالقرب من محافظة أسيوط، وفي الواحات، وبالفيوم، وفي سيناء، ولم يلتفت أحد من المسئولين الأمنيين في هذه الفترة لتلك المعسكرات، ويمكن أن نقول بصراحة، إنه لم يكن أحد لديه القدرة على اتخاذ أي قرار يتعلق بفتح مواجهات مباشرة مع هذه الجماعات، بل واضطروا لإصدار قرارات تتعلق بالعفو عن قيادات الإرهاب، وإخراجهم من السجون، ومنهم أحمد عشوش، ومحمد الظواهري، ومحمد حجازي، وغيرهم في الأثناء التي عاد فيها الباقون من أفغانستان.
تشكلت الخلايا عقب هذه الفترة، ويلاحظ أن الجناة في حوادث الأقباط، هم تابعون للإرهاب المنظم وهم أعضاء في خلايا تسعى إلى تنفيذ عملياتها ضد الأقباط بإصرار واضح.
الخلاصة، إننا أمام تنظيم يسمى داعش ببر مصر، يحاول لملمة جراحه وهو يختلف كليًا عن التنظيم بسيناء، إلا أنه يتواصل معه، كما إننا أمام مواجهة جيل إرهابي عشوائي يتم تجنيده باستمرار عبر الإنترنت، فيما يعرف باسم الجهاد الإلكتروني، وهم الجيل الذين وجدوا ملاذًا آمنًا في فضاء العالم الإلكتروني، يسر لهم الحديث مع بعضهم البعض دون عائق من العالم الواقعي، الأمر الذي دشن مجموعات مسلحة تتوالد وتتكاثر كل يوم، وهي أكثر خطورة لأنه يصعب تتبع مساراتها.
في الختام، لو عرفنا المخططين الافتراضيين في مصر لعرفنا خلايا التجنيد، كما يمكننا معرفة الحوادث قبل وقوعها.