تستطيع بيروقراطيتنا العتيدة القضاء وبمنتهى البساطة على أى إنجاز يمكن أن يتحقق من زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الولايات المتحدة. هذه المسألة من المسلمات ولا يمكن لأحد إنكارها، إلا إذا كان قد تعمد فقأ عينيه لكى لا يرى هذه الحقيقة أبدًا.
صحيفة سوابق البيروقراطية المصرية استهلكت تقريبًا كل ما تنتجه مصانع الورق لرصد وتسجيل جرائم إهمال وفساد الروتين الحكومى، وما قاله وليد فارس، مستشار الرئيس الأمريكى، لبنانى الأصل، خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده قبل ساعات من لقاء السيسى وترامب، كافٍ لإدانة جميع أجهزة الدولة الإعلامية والسيادية، لأنه كشف بكلمات بسيطة كيف تركت الأجهزة المصرية بجميع أفرعها الساحة الأمريكية خالية لنشاط مؤسسات وعناصر تنظيم الإخوان الإرهابى، حتى إنها أصبحت أقرب من الدولة المصرية منذ عهد مبارك إلى مراكز صنع القرار والمعاهد البحثية وما تُعرف بـ«الثينك تانك الأمريكية»، علاوة على المجتمع المدنى الأمريكى. تصريحات مستشار الرئيس الأمريكى، أوضحت أن المؤسسات المصرية الرسمية كانت تتعامل بشكل روتينى مع الإدارات الأمريكية المختلفة فى زمن الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ولم تكن لها اتصالات جادة سواء بالمؤسسات البحثية أو الإعلامية التى تؤثر على اتجاهات الرأى العام الأمريكى، وتلعب دورًا رئيسيًا فى عملية صناعة القرار، فيما كانت عناصر الإخوان تنشط على جميع الأصعدة، وتقدم التنظيم بوصفه المعارضة الإسلامية المعتدلة، ولا يزال هذا الوضع مستمرًا إلى يومنا هذا. أكاد أجزم، بأن هذه التصريحات لن تلقى الاهتمام الكافى بالتعليق والتحليل على الأقل من جانب الإعلام والصحافة المصرية، ربما لأنها تفضح أداء أغلب- إن لم يكن كل- مؤسساتنا وأجهزتنا الرسمية وغير الرسمية. حديث وليد فارس، يقدم دليلًا كافيًا لمحاكمة رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، بتهمة الإحجام عن أداء الواجب، ومعه قائمة طويلة تضم كبار المسئولين، بل وعشرات الباحثين المصريين الذين يعملون فى مراكز أبحاث مصرية معتبرة، تمول بعض مشروعاتها ودراساتها من مؤسسات تمويل أمريكية، فى مقدمتها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. ومع ذلك لا تزال هناك فرصة لتعويض ما فات، ولكن بشرط أن يعمل الجميع بإخلاص وضمير، وبعيدًا عن الروتين العفن، لأن المعركة لن تكون سهلة؛ فالوجود الإخوانى فى الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا، يتجسد فى شكل جمعيات ومؤسسات أهلية لها جذورها العميقة فى تلك المجتمعات.
لذلك نحن بحاجة إلى استراتيجية تقوم على العمل المستمر والمتواصل، تنفذها الدبلوماسية الرسمية بعد تطهيرها من العناصر البيروقراطية الفاسدة، إلى جانب مؤسساتنا ومراكزنا البحثية المُعتبرة؛ بحيث يعمد باحثوها إلى التواصل مع نظرائهم فى المراكز البحثية الأمريكية، وأظن أن مركز الأهرام للدراسات السياسية، بما فيه من وحدات بحثية متخصصة فى مجالات مختلفة، قادر على إحداث تواصل جاد ومثمر لبناء جسور فى العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، يمكن من خلالها التأثير على صناعة القرار. نحن بحاجة أيضًا إلى تفعيل دور سفرائنا من أبناء الجالية المصرية فى الولايات المتحدة، وعلى الدولة ومؤسساتها أن تستثمر ذلك الحماس الذى رأيناه أثناء لقائهم مع الرئيس، وأن توضع خطة يؤدى فيها كل مصرى يعيش فى أمريكا دورًا يتناسب مع وضعه وخبراته وإمكانياته، ولا ينبغى التباطؤ فى التحرك نحوهم، وإلا غلبهم الإحباط واليأس من أن يكون هناك أى جديد فى هذا البلد. الإدارة الأمريكية الجديدة تنظر إلى مصر كشريك تتبادل معه المصالح، لا كمنفذ لسياسات معينة فى مقابل دعم سياسى واقتصادى يحافظ على بقاء النظام، مع العلم أن نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لم يكن طوال الوقت مجرد منفذ أو تابع للسياسات الأمريكية، فدائمًا ما كانت هناك خطوط حمراء، لذلك لم يرض الأمريكيون عن مبارك وتآمروا ضده. نحن بحاجة إلى تدعيم نظرة الشريك، لأننا نريد من الولايات المتحدة دعمًا اقتصاديًا يفك ذلك الحصار الذى فرضته الإدارة السابقة، ويمكننا من الاستمرار فى حربنا على الإرهاب التى هى فى جوهرها حرب من أجل العالم.