ضحكتُ فقالوا ألا
تحتشم؟.. بكيتُ فقالوا ألا تبتسم؟.. تبسمتُ فقالوا يرائي بها.. عبستُ فقالوا بدا
ما كتم.. صمتُ فقالوا كليل اللسان.. نطقتُ فقالوا كثير الكلم.. حلمتُ فقالوا صنيع
الجبان ولو كان مقتدرًا لانتقم.. بسلتُ فقالوا لطيش به وما كان مجترئًا لو حكم..
يقولون شذ إذا قلت لا وإمعة حين وافقتهم.. فأيقنت أني مهما أردت رضى الناس لا بدّ
من أن أُذم.
كانت مقولة «الإمام
الشافعي»، الأكثر تعبيرًا عن ما حدث في أزمة مُصادرة عددين من صحيفة «البوابة»
التي نتشرف جميعًا بالعمل بها، بل وتأسيسها حتى أصبحت صرحًا عظيمًا وحلمًا
للكثيرين، بجهد وعرق العاملين بها.
فما أن لاحت الأزمة في
الأفق، حتى بدأت التأويلات والتكهنات، ولما لا، فنحن بلد الـ100 مليون خبير، لا
نترك شاردةً إلا ونُفندها، ونخترع مليار تحليل، بل وصل الحد إلى سرد شواهد من وحي
الخيال.
«الأسئلة»، تنهال علينا
من جميع الاتجاهات، وكل التيارات، ما بين تضامن وانتقاد؛ «لماذا تُهاجم البوابة
وزير الداخلية؟».. «هل هي مسرحية هزلية.. أم صفقة سياسية.. أم بطولة تاريخية؟»..
مؤكد هناك شيء ما يدور في الخفاء!!.
لا أخفيكم سرًا، كم
الضغوط التي وضعت فوق رأسنا على مدار 48 ساعة، لم تُزحزحنا عن موقفنا قيد أُنملة،
لدينا رؤية واضحة حيال تفجيري كنيستي «طنطا والإسكندرية»، ورسالة عبرنا فيها عن ما
يدور في عقل كل مصري، ولا نبتغي منها أي مصلحة شخصية.
ولأن «الشاهد» هو من يشهد
على وقائع عرفها معرفة شخصية، لكونه رآها بعينه أو سمعها بأذنه؛ أسرد لمن يُريد
المعرفة، ماذا حدث في أزمة مصادرة عددي صحيفة «البوابة»؟.
«البداية»، ظهر يوم
الأحد، وقيادات الصحيفة على رأسهم الزميلين الدكتور «عبدالرحيم علي»، رئيس
التحرير، وصلاح حسن، رئيس التحرير التنفيذي، والأخبار تصل إلى غرفة الأخبار لحظة
بلحظة، وأعداد شهداء ومصابي حادث تفجير كنيستي «طنطا والإسكندرية»، تتزايد، والمشاهد
المأساوية تمرّ أمام أعيننا، يختلط فيها «السعف» بـ«لون الدم»، الكل مُتأثر الصغير
قبل الكبير.. أليس الصحفيون بشرًا؟.
يزداد المشهد سوءًا،
عندما رصدنا، كيف أنقذت العناية الإلهية «قداسة البابا تواضروس» من موت محقق، هل
ستتحمل مصر حدوث ذلك؟، هل تتصورون حجم المصيبة؟، مجرد تخيل وقوّع ذلك، سيكون له
واقع مرعب على البلاد سياسيًا واقتصاديًا، وكلنا نعلم أن المتربصين ينتظرون أي
«جنازة يُشبعوا فيها لطم».
كل ما فعلناه، هو أننا
مارسنا دورنا الصحفي فقط، وصدقنا ما كذبنا أبدًا، ورصدنا مظاهر التقصير الأمني، عبّرنا
فقط عن الشارع، قلنا ما يرضي ضميرنا، هل ارتكبنا جرمًا في هذا؟.. هل قلنا غير
الحقيقة؟.
فوجئنا بوقف إصدار العدد
في المطابع دون أي مبرر، ماذا فعلت «البوابة» سوى التعبير عن الواقع، ثم توقف مرة
أخرى لإصرارنا على التعبير عن الشارع، ثم صدر أخيرًا وأيضًا لأننا عبرنا عن موقفنا.
نعم «البوابة تقف خلف
الدولة المصرية في حربها ضد الإرهاب» هكذا كان «مانشيت» الصفحة الأولى، ومتى فعلنا
غير ذلك، كنا دائمًا وأبدًا عدوًا واضحًا للتنظيمات الإرهابية، لم يكن لدينا هدفًا
سواه، ومن أجله نسخّر كل طاقتنا لكشف زيف أفكارهم والشيطان الذي يكمن في أفعالهم.
لكن كما أغضب البعض موقف
«البوابة» من تفجير الكنيستين، تهكم آخرون من «مانشيت» العدد الثالث، مدعين
بالباطل أننا تراجعنا عن موقفنا، وهو ما لم يحدث ولن يحدث أبدًا.
«البوابة» كانت ولا تزال أحد أهم الأذرع الإعلامية لثورة 30 يونيو، وأفكارها المدنية، وكافحت كثيرًا من أجل إسقاط «جماعة الإخوان الإرهابية»، هذه عقيدتنا، وتحملنا الضغوط والتهديدات منذ حكم المعزول محمد مرسي، وصلت إلى اقتحام مقر المؤسسة، بواسطة 25 مُسلحًا، حاملين «الرشاشات الآلية»، في وضح النهار، عقب ثورة 30 يونيو، وأصابوا وقتها عددًا من أفراد الأمن الخاص، وسرقوا عددًا من أجهزة الكمبيوتر، وبعض الأوراق والمُستندات، مُرددين «يا خونة.. يا كفرة».
«البوابة»، ليست في خصومة مع رجال الشرطة، الذين نقدر
تضحياتهم، بل هي المؤسسة الوحيدة التي تنظم احتفالية سنوية لتكريم آسر شهداء
ومصابي الجيش والشرطة.
نحن أيضًا لسنا في خصومة
شخصية مع وزير الداخلية، اللواء مجدي عبدالغفار، الذي سبق وأن رحبنا باختياره
وتوسمنا فيه الخير، واعتبرنا هذا الاختيار خطوة جيدة؛ للقضاء على التنظيمات
الإرهابية، لخبرته السابقة في التعامل معها، لكن ما حدث خيب آمالنا.
ولأننا أصحاب موقف؛ فإننا
نقود سياساتنا الصحفية من عقلنا، ولا نترك كلام الآخرين يقودنا، فمواقفنا واضحة،
وأهدافنا الإعلامية نؤمن بها مثل باقي المؤسسات، ومن أجلها أطلقنا عددًا كبيرًا من
المنصات الإلكترونية، والمراكز البحثية المتخصصة.
وختامًا، اتخذنا موقفًا يعبر عنا، وعن الشارع المصري، وانهالت علينا المكالمات من صحف عربية وأجنبية، وصل الحال أن تتصل بنا مؤسسات قطرية، وتعرض علينا الدعم، وإليكم رابط أحد المواقع الناطقة بالإنجليزية التي تريد استغلال الموقف.
«البوابة»، لن تنسى من وقف بجوارها، ولن تغفر لمن أساء إليها، وستظل صوتًا حرًا يُعبر عن ما يدور في عقل ووجدان الشعب المصري.