لم أعد أستطيع مبدأ تحميل الأجهزة الأمنية مسئولية ما يحدث من عمليات إرهابية في أرض جمهورية مصر العربية، فالأجهزة الأمنية لا تدير صراعات سياسية لا داخليًا ولا خارجيًا، ودورها يقتصر على ضبط الأمن، والجميع فى النهاية يدفع ثمن هذه الصراعات.
ولكن يبقى هناك أدوار كثيرة أخرى لا يقوم القائمون عليها بواجباتهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر وزارة التربية والتعليم، المؤسسات الدينية، الجامعات المصرية، والمؤسسات الإعلامية فى مواجهة أيديولوجيات الموت التي أصبحت تملأ عقول الشباب المصري.
إن المؤسسات الأمنية تقوم بدورها وتعمل جاهدة على استعادة زمام الأمور استنادا إلى إعادة ترتيب أوراقها وآليات عملها، ولا شك أن تلك الوضع الأمني قد تحسن كثيرا منذ يونية 2013 في ظل حرب شرسة تستهدف الدولة المصرية بأكملها دون هوادة أو رحمة، فالهدف هو الدولة المصرية، ولكن هذه الإجراءات لا تستطيع الوقوف وحدها فى وجه إرهابي انتحاري معد أيديولوجيا للتخلص من حياته بسبب هدف زرع فى عقله هو فقط، واعتقاده بصواب ما يفعله، مثل هذا الخلل لا يمكن مواجهته إلا بعقيدة راسخة وأيديولوجية مضادة، مثل تلك التي تحرك شهداء الوطن في أرض المعركة.
أرجو أن نعي جيدا أن الحل الأمني وحده ليس ضمانة لتحقيق السلام والأمن للمواطن والدولة المصرية، ولكن مواجهة الأيديولوجيا التي تستغل الإسلام والخطاب الديني غطاء لهذه العمليات الإرهابية، هو الحل وهذا دور المؤسسات الدينية والجامعة ووزارة التربية والتعليم والمؤسسات الإعلامية فهى مسئولية مشتركة.
أرجو أن تحاكموا كل مسئول يستغل موقعه وسلطته لنشر الأفكار الهدامة أو أو لترسيخ الفكر المتشدد أو يصدر عنه موقف عنصري أو طائفي، فليس من المنطقي أن نواجه الفكر المتشدد دون مواجهته فى جميع صوره وأشكاله، والتي تمتلئ أروقة الدولة بها، يوميا هناك ممارسات ضد كل ما هو مختلف سواء كان امرأة أو مسيحي أو من أصحاب البشرة السمراء بل إن البعض منهم يعامل المسلمون من أبناء الوطن كأنهم من غير المسلمين.
وكما يضحى الإرهابي بحياته لقناعة تخصه، نجد أن كل من يمارس العنف ضد الآخر ينتمي لنفس القاعدة الفكرية المشوهة والمريضة، هذه القاعدة التي تمهد الطريق لزرع الأفكار الأكثر تطرفا، ولا يمكن مواجهتها إلا بتوسيع مساحة التسامح والاستنارة والوسطية وقبول الآخر.
وإذا أخذنا في الاعتبار فكرة أن ممولي الإرهاب لا يدفعون تمويلا ضخما لانتحاري كي يفقد حياته، بل توجه تمويلاتهم لتشويه عقائد الشباب وغسيل الأدمغة عبر وسطاء يستخدمون الدين في المقام الأول، ثم تأتي مرحلة التجهيز والتدريب والتسليح، لذا إذا أردنا ضرب هذه التنظيمات في مقتل علينا توجيه حربنا ضد من يجندون الشباب ويملأون نفوسهم بالأيديولوجيات المسمومة التي تدفعهم للتفريط فى أرواحهم هباء.
لو استطاعت مؤسسات الدولة أن تواجه هذا الفكر المسموم لن يجد تجار الموت من يجندهم من الشباب، لن يجدوا من يدفع لهم ينفذوها هذه الجرائم مرة أخرى.
حتى هذه اللحظة لا أعرف ما الذي يعطل تعديل مناهج وزارة التربية والتعليم، وما الذي يعوق تطهير المؤسسة التعليمية من كل العناصر المتطرفة، وما الذي يمنع المجلس الأعلى للجامعات من تبني أنشطة فنية وثقافية تغير من ثقافة الشباب وتجعلهم محبين للحياة، لا أعرف ما الذي يعوق وزارة الأوقاف عن الوقوف فى وجه سيطرة السلفيين على الزوايا المساجد.
المعركة الحالية معركة المجتمع ولن يقوم بها المجتمع إلا إذا كانت مؤسسات الدولة صادقة فيما تعلنه رسميًا، وبدأت تقود هذه المعركة على المستوى الثقافي والتربوي.