عبدالرحمن الأبنودي، أحد أشهر شعراء العامية الذين ناضلوا لإخراج القصيدة الدارجة من قالبها الزجلي القديم إلى القالب الحر، ويوصف بأنه استطاع تطويع الشعر اللهجي لـ"نصرة قضايا أمته".
ولد الأبنودي في قرية أبنود بمحافظة قنا في صعيد مصر لأسرة فقيرة أجبرته بساطة حالها على رعي الغنم في طفولته، بدأت علاقة الأبنودي بالأدب مع سيرة بني هلال، التي تجلى شغفه بها في قيامه بتجميعها بعد أن تلقاها من ألسنة الشعراء. وبعد تخليه عن الوظيفة الحكومية في إحدى المحاكم قائلا إنها لم تكن تتفق مع شخصيته.
التحق برفيقه ابن مدينته الشاعر أمل دنقل في القاهرة آواخر الخمسينيات، فأقاما فترة يسكنان داخل "عوّامة" كتب فيها أوائل أغانيه الناجحة، مثل "تحت الشجر يا وهيبة" والتي غناها محمد رشدي، و"بالسلامة يا حبيبي بالسلامة" والتي قامت بغنائها نجاح سلام. وبعد نجاح أغنية "عدوية" التي كتبها الأبنودي ولحنها رشدي وغناها الفنان محمد منير، شكل الأولان ثنائيا لفت أنظار الجميع، وهو ما دفع الملحن بليغ حمدي والمطرب عبدالحليم حافظ لاستقطابه، فشكلوا فريقا قدم كثيرا من الأغنيات العاطفية والوطنية، وفي العقود الثلاثة الأخيرة من حياته شكل الأبنودي "ثنائيا مميزا" مع الفنان محمد منير.
لم تشغل كتابةُ الأغاني الأبنوديَّ عن القصيدة السياسية التي كانت مبتدأه ومنتهاه، فكتب مئات القصائد خاصة عن فلسطين وأطفالها ومقاوميها، فرثى ناجي العلي، وحاكى قمر يافا، ودعم أطفال الحجارة، وكانت أشهر قصائده في هذا المضمار "الموت على الأسفلت".
اعتقل الأبنودي أشهرا خلال فترة حكم جمال عبد الناصرولم يكن على وفاق مع الرئيس أنور السادات ودفعه موقفه من السادات للانضمام إلى حزب التجمع اليساري، كما لم تكن علاقته بالرئيس الأسبق حسني مبارك جيدة، وفق روايته
ترك الأبنودي أكثر من 22 ديوانا، أشهرها "السيرة الهلالية"، و"جوابات حراجي القط"، و"وجوه على الشط"، و"الموت على الأسفلت"، و"الأحزان العادية"، لنذهب سريعا لقراءة اقتباس " الموت علي الأسفلت " والتي تحدث فيها عن فلسطين والمعاناة داخلها من قتل وإستباحة وطن ومنها: "ايا بيت لحم/ الإعلان/ يا صوت الطفل اللى بيحررنى ف بلدى/ بارك ربى فيك ياولدى/ يا نهر النار الفايره اوعى تبطل جريان/ دراعات الوحش الغاضب أصوات الكروان/ وأخدنا بتارك يا غسان/ يا كمال ناصر / دمك حاصر".
اشتهر الأبنودي بمجمع " السيرة الهلالية" حيث لجمعها قصة خاصة فقد بدأت رحلة الشاعر في تجميعها عقب النكسة مباشرة حيث كان الأبنودي يستمع إلى فصول مختلفة من السيرة الهلالية، من باب ترديد المحفوظات فقط، وكانت حكاياتهم لا تنتهي، إنها الرحلة التي استغرقت ثلاثين عاما حاول من خلالها الأبنودي تقصي السيرة الهلالية في أفواه المنشدين والحكائين العرب، كان لأبنودي وسيد الضوي قد شكلا معًا ثنائيًا فريدًا من نوعه لإعادة إحياء السيرة، وأصبح لقاؤهما في بيت السحيمي في رمضان فقرة أصيلة لا يكتمل الشهر إلا بها، حيث كان من أشد المعجبين باستلهام التراث الشعبي للحياة المصرية فدأب على جمعه في رحلة طويلة جاب خلالها الخال ربوع الوطن العربي، تنوعت الرحلة ما بين السودان والجزائر وليبيا، بالإضافة إلى حدود تشاد والنيجر ثم إلى تونس الخضراء.
وكان للأبنودي رؤية خاصة في الحفاظ على هذا الإرث الشفاهي المحكي حيث إنها دراما تتدرج في انفعالها وتصوريها للأحداث، وهي ليست على وتيرة واحدة كما يظن البعض، خلال سنوات طويلة استطاع بعدها صياغة "السيرة الهلالية" عبر 5 مجلدات انقسمت ما بين "خضرة الشريفة، أبوزيد في أرض العلامات، مقتل السلطان سرحان، فرس جابر العقيلي وأبوزيد وعالية العقيلية" إلى أن أصبحت السيرة الهلالية جزء أساسي من التراث.