الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

نجم .. الذي هوى !

الراحل أحمد فؤاد
الراحل أحمد فؤاد نجم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قبل أن يطلع صباح المحروسة من تلافيف ليل الإخوان ، وفي حالة "التوهة " العامة التي يعيشها المصريون منذ خلع المخلوع والقلاقل اليومية التي يثير غبارها واهمو الاخوان علّ ما يفعلون يعيد لهم مرسي رئيساً ولو لمدة "ساعة" كما طلب مؤخراً.
وفي عز المعمعة ، أجبر الموت نجم على الترجل عن صهوة جواده والرحيل ، ونقول أنه أُجُبر على الرحيل لأنه يحيا كأنه يعيش أبداً رغم أنه سيعيش طويلاً في ذاكرة مصر الشعرية والنضالية بعد رحيله المادي .
قبل موته "السريريّ الجسدي" بدأ الفاجومي "يشف" ويتحول بعد أن ذبلت صحته وبدأت ذاكرته تخونه والكلمات تتوارى بين شفتيه.
وما أن ذاع الخبر وشاع ، حتى بدأت الأقلام "تصطف" وتتبارى في التعبير عن حزنها وجيشان مشاعرها لرجل لم يكن يهاب الموت ولم يحسب له يوماً حساباً ،لأنه مثل كل المصريين كان قدريا بديعاً يعيش "يومه بيومه" أو على رأي المثل المصري البلدي " مقضيها" .
عاش نجم حراً ، فهو لم يملك شيئا ولم يكن يريد شيئاً كما لم يكن يحلم بشيء ، ولذلك لم يكن يخاف شيئا ، و"فتح صدره" أمام كافة اقسام الشرطة والمعتقلات التي خلدتها أشعاره "الغنائية" بصوت الشيخ إمام ومشاركة الدخان الأزرق الذي كان طقساً ملازما للحالة الإبداعية التي كانا عليها وبها ولها ، قبل أن تدخل النقود بينهما فتفرق السبل بينهما وكأنهما ما عاشا قط ، ولم يجوعا ولم يعتقلا ولم يعانيا هما واحداً ومصيراً واحداً في بيت واحد وحجرة واحدة وطبق واحد .
عاش نجم مصرياً جدا ، والمصري جداً هو ذلك النوع الذي تجده متوافراً في كل شارع شعبي وحارة وعطفة بكل طيبته وكرامة فقره وجدعنته وشخره ونطره وطبيعته التي تربط بين الخاص والعام في كلمة قليلة اسمها ابن البلد الذي يشيل الطين دوما في المحنة ولا يجد لنفسه مكانا في الفرح ومع ذلك تجده راضيا قانعا مبتسماً دائما "مفرقعاً" ضحكته وراء نكتة التقطتها أذناه في الشارع أو على المقهى أو أثناء قرقرة الجوزة "مغموسة " الحجارة في حضور حجار ..
عاش نجم بشروط زمنه وكان شاهداً عليه ، وعانى من رؤسائها وشرطتها ومعتقلاتها وسجونها ولم يتسلل لقلبه الشاعر الطيب العبيط أي احساس بالغل او الغضب الدفين او حتى الشعور بالغضب ، سمى عبد الناصر "المفتري" وأطلق على السادات "شحاته المعسل" ،أما مبارك فلم يجد له لفظاً لائقا غير جوز الست في حين كان هجاؤه لمرسي وإخوانه أشبه بسب" الملة "والدين ، إلا أنه سامحَ عبد الناصر في النهاية واكتشف أنه كان يحبه في اللا شعور :
عمل حاجات معجزة وحاجات كتير خابت
وعاش ومات وسطنا على طبعنا ثابت
وإن كان جرح قلبنا كل الجراح طابت
ولم يكن نجم – مثلما لم يكن عبد الناصر- شيوعياً ولا ماركسياً ولا تروتسكياً ومثله كان مصرياً وعربياً حتى النخاع ،ومثله كان زاهدا محباً للفقراء وأبناء السبيل.
ترك نجم إرثاً شعرياً مقاوماً يكفي "عدة أجيال" لكن ما سنفتقده منه تلك الروح الساخرة البديعة وذلك الحضور الأخاذ الذي كان يشع مقاومةً في أقسى الظروف وأكثرها عصياناً على التفتت والمغايرة ..