أؤمن أن «الحب» قدر جميل، صدفة موضوعية مقصودة، مثل كل شىء يحدث فى حياتنا؛ لأن إرادتنا دومًا يقابلها إرادة أعلى، أكثر قوة وقدرة وحكمة ومعرفة، ومن ثمَّ لا داعى لمشاعر الندم أو القلق أو اليأس، فمهما كانت أخطاؤنا وسقطاتنا، الحل دائمًا موجود، لأن الأمل دائمًا معقود، لكننا فى العادة لا نلمح بريقه، إلا حينما نفهم الرسائل الكونية، ونستوعب الدروس الإلهية، ونعيش كل لحظة فى حياتنا، وكأنها اللحظة الأخيرة.
أتساءل دومًا: لماذا ننتظر طوال الوقت، وفى وسعنا أن نتحرك، نقفز، نطير؟! نحن نكون فى أروع حالاتنا، حين نقول للآخر: «أنا أحبك»، معناها «أنا أحب طاقات الخير والحق والفضيلة الكامنة فى أعماقك»، معناها «أؤمن بك، وأؤمن بنفسى، أثق بك ثقتى بنفسى»، معناها «أنت بشكل دقيق ومحدد، لا يوجد من يحل محلك، لا يمكن استبدالك»، معناها «أننا قادرون على الحب، ومؤهلون له»، وهو قمة الإحساس بالذات فى أوج صدقِها وعذوبتها وتجلِّيها، وأبدع تناغم بين ثلاثية الروح والنفس والجسد، وسمو التوحد بالذات الأخرى.
هذا هو معنى «الحب» غير العادى أو المغامرة الكبرى فى رواية «هيبتا» أو رقم «سبعة» بالإغريقية، للكاتب المبدع «محمد صادق»، التى تحولت إلى فيلم سينمائى خفيف، يحكى أربع قصص منفصلة، متصلة فى الوقت ذاته، عن أسوأ «سبعة» مشاعر قادرة على خنق «الحب الحقيقى» فى مهدِه، وأخطر «سبع» مراحل تمر بها كل علاقة حب حتى تكتمل، كعدد أيام الأسبوع، وطبقات السماء، وألوان قوس قزح.
أخطر «سبع» مراحل يمر بها الحب الحقيقى؛ البداية: أن تشعر أن شيئًا ما ينقصك، لكن للأسف لا توجد بدايات حقيقية، بل مجرد نهايات مستمرة! اللقاء: أن «الحب» منذ بدء الخلق هو المنقذ، الذى نقاوم به كل صدمات الحياة؛ من عجز، أو انكسار، أو ارتباك، العلاقة: أن الحياة لا تكتمل إلا بالحب، لكننا لم نتعلم شيئًا مطلقًا عن هذا الاكتمال، الإدراك: أن الحب عادةً ما يصاحبه الألم، لكن البشر لا يدركون أنهم الجناة، الحقيقة: أنه لا يوجد ملاك اسمه «الحقيقة المطلقة»، بل هى مجرد أوهام وأكاذيب عشق الناس تصديقها، القرار: أن كل ثانية يوضع أمامك اختيار بسيط، قد يجعل الحياة كلها مختلفة، لكنك تختار عادةً أن تؤجل القرار، فتظل كما أنت! أما أصعب المراحل فهو «هيبتـا»: بمعنى «هل كل شىء جميل سينتهى، أم سيكتمل؟!».
أسوأ «سبعة» مشاعر قادرة على خنق «الحب»؛ محاولة امتلاك الآخر، عدم تقديره، الرغبة فى تغييره، تحميله فوق طاقته، الإحساس بالاحتياج والحرمان، الغيرة والشك، الاعتياد والملل، فى المقابل تظهر مقاومة البشر فى «سبعة» مشاعر أيضًا فى إمكانها المواجهة؛ الاحترام، الاحتواء، الصراحة، التضحية، التشارك وتحديد المسئوليات، وهو رأى الكاتب، الذى أختلف معه فى أنه لا تضحية فى علاقة إنسانية حرة، كما أضيف له مشاعر مقاومِة أهم وأخطر: «الثقة»، «الشغف»؛ لأنهما يجعلان الحياة أكثر روعة وجنون وبهجة.
تؤكد «هيبتا» أن من ذاق «الحب» بكل طعم هو وحده من يعرف كيف يدق قلبه بمليون طريقة، وكيف يموت قلبه أيضًا بمليون طريقة؟! وتتساءل: لماذا لا تكتمل مشاعر الحب فى أغلب الأحيان؟! لماذا نرضى أن نعيش أمواتا وتعساء وقد خلقنا لنعيش أحياء وسعداء؟!
يجسد الفيلم معنى «الحب» كوقود للحياة؛ ببساطته، وعذريته، ورومانسيته، ولمسة الطهر وروح الشاعرية التى تسكن تفاصيله، وقدرته الفائقة على بلوغ أقوى درجات التعبير عن الأفكار والأحاسيس والرغبات، وتطلعه اللانهائى فى البحث الدائم عن معنى أعمق ومشرق للحياة، فنبدو كأننا نقرأ شعرًا بليغًا، أو نسمع موسيقى مدهشة، أو نتأمل عبقرية لوحات «عدلى رزق الله» و«جاذبية سرى» و«راغب عياد».
يذكرنى بالحكايا الرومانسية القديمة والعجيبة لوالدتى «سميحة» المليحة: (كانت مجرد اللمسة تُغرِقنا فى عوالم أسطورية، ونظرة العين، تُسهِّرنا حتى الفجر، أما رعشة الكلمة الحلوة على الشفايف، فكانت تُبكِّينا؛ لذا كنا نخاف القرب، أكثر من البعد، وفى البعد يقتلنا الحنين للقرب مرة أخرى).
(كانت الأشياء البسيطة جدًا فى الحياة، ذات قيمة كبيرة، كوشوشة الريح فى الشجر، ونور القمر المبهر فى الظلام، فكل شىء كان له معنى وطعم ومتعة، حتى حينما كنا نسمع أغانى «أم كلثوم» بالساعات، كنا نقول كل شىء، دون أن نقول شىء).
أخيرًا.. عليك أن تتذكر دومًا تلك الأفكار المضيئة والملهمة التى ترسلها «هيبتا» إلى كل البشر فى كل أنحاء العالم:
- عندما يختنق الحب، يختفى الجنون، ويتصدع الحلم، وتتبخر الوعود، لكن يظل الأمل دائمًا موجودًا.
- كل ثانية يوضع أمامك اختيار بسيط، قد يجعل الحياة لها معنى، لكنك تتردد، ثم تؤجل القرار، فتبقى كما أنت، ثابت فى مكانك! فيضيع عمرك فى صراعات لا تنتهى؛ لأنك لم تستطع الصمود أمامها، وتظل تنتظر، حتى تضيع الفرصة، ثم تتحرك!
- لا شىء أبدًا يحدث مصادفة وبلا سبب، بل كل شىء حتمى، لا بد من حدوثه؛ لأن إرادتك دومًا تقابلها إرادة أعلى؛ أكثر قوة، قدرة، حكمة، معرفة.
- عش كل لحظة فى حياتك، كأنها اللحظة الأخيرة، فلا تنتظر ثانية، فقط تحـرك.
- «الحضن» هو الشىء الجسدى الوحيد بين البشر كافة، الذى يلمس روعة الروح، إنه الدفء، أو الكل شىء، حينما تترك نفسك تمامًا، وتلقى بكل ما يحبطك ويؤلمك، وتوقف الزمن للحظات آسرة.