بدأت ظاهرة «الإرهابيين الجائلين» تطرح نفسها مجددًا على الساحة الدولية، وبخاصة بعد تصاعد حدة الضغوط التى تتعرض لها التنظيمات الإرهابية، وبخاصة تنظيم «داعش» الذى يتلقى ضربات موجعة فى العراق وسوريا وليبيا، واحتمالية انتقال بعض عناصره إلى بؤر صراعات أخرى، بد لا من العودة إلى دولهم الأصلية، وهو ما يسمى بظاهرة «الإرهابيين الجائلين».
وحذر الرئيس السيسى فى سلسلة لقاءاته الناجحة مع كبار مسئولى الإدارة الأمريكية خلال زيارته الرائعة لواشنطن، من خطورة هذه الظاهرة التى تهدد كل دول الجوار بمنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وتمتد آثارها وأذرعها إلى دول أوروبية.
وربما تمثل حوادث الإرهاب التى ضربت العديد من دول أوروبا وآخرها محطة «مترو سان بطرسبرج» بروسيا، هى من صنع ونتاج ظاهرة «الإرهابيين الجائلين» أو عودة «الداعشيين»!! فى سياق متصل، كشفت تقارير استخباراتية عدة، عن أن كثيرًا من العناصر الإرهابية التى انضمت إلى تنظيم «داعش» خلال الفترة الماضية لن يعودوا إلى دولهم، بعد الإجراءات الأمنية المشددة التى اتخذتها هذه الدول ضد عودتهم، والتنسيق الأمنى مع دول الجوار وبعض القوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب، وهو ما سيفرض على تلك العناصر التوجه إلى بور صراع جديدة، سواء بقرار فردى أو بتكليف من التنظيم، لا سيما فى ظل تزايد أعداد العناصر الأجنبية المتطرفة التى انضمت إلى تلك التنظيمات خلال الفترة الماضية. موقع «دويتشه فيله» الألمانى، أشار فى تقرير له فى يونيه ٢٠١٦، إلى احتمال توجه عناصر من تنظيم «داعش» بالعراق وسوريا إلى ليبيا أو أفغانستان أو غيرها من الدول غير المستقرة، وذلك لقدرة التنظيم هناك على إعادة الانتشار وتوفير البيئة الحاضنة.
فيما حذرت مجلة «نيوزويك» الأمريكية، فى بداية نوفمبر ٢٠١٦، من مخاطر انتقال عناصر من التنظيم من مدينة سرت فى ليبيا إلى تونس... وقبل ذلك، قال وزير الدفاع التونسى فرحات الحرشانى: إن «الإرهابيين لا يفرون فقط من جنوب ليبيا للانضمام إلى جماعة «بوكو حرام»، بل أيضًا فى اتجاه الغرب، إلى تونس تحديدًا، محذرا من تنفيذها عمليات إرهابية تستهدف أمن الدولة ونهج الانتقال الديمقراطي!!
وربما يفرض تصاعد ظاهرة «الإرهابيين الجائلين» فى تلك الفترة تداعيات عدة لا تبدو هينة، لا سيما فى ظل تردى الأوضاع الأمنية فى العديد من مناطق الصراع التى ربما يتوجهون إليها، ويتمثل أبرزها فيما رصده تقرير مهم لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بدولة الإمارات العربية، فيما يلى:
١- اتساع نطاق أعمال العنف، وبخاصة أن هذه العناصر تسعى إلى المشاركة فى المعارك المسلحة التى تشهدها بعض تلك المناطق، سواء بقرار فردى أو بتعليمات من جانب التنظيمات التى تنتمى إليها.
٢- استقطاب عناصر جديدة، حيث تشير اتجاهات عدة إلى أن «الإرهابيين الجائلين» غالبًا ما يمتلكون خبرات قتالية وتنظيمية كبيرة، نتيجة مشاركتهم فى المواجهات المسلحة التى اندلعت بين التنظيمات الإرهابية وبعض القوى والأطراف المعنية بالحرب ضد الإرهاب، وهو ما يزيد من احتمالات اتجاههم إلى نقل تلك الخبرات إلى بعض العناصر المحلية، لا سيما فى حالة ما إذا تلقوا تعليمات من جانب التنظيمات الرئيسية بتأسيس مراكز لتدريب هذه العناصر من أجل دعم الجهود التى تبذلها هذه التنظيمات لتوسيع نطاق نفوذها فى تلك المناطق الجديدة.
٣- تفاقم الأوضاع فى مناطق الصراع، إذ إن انخراط هذه العناصر فى المواجهات المسلحة التى تشهدها بعض مناطق الصراع، يؤدى، فى الغالب، إلى تصاعد حدة الأزمات فى تلك المناطق، على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وبخاصة فى ظل تراجع قدرات السلطات فى دول الأزمات على فرض إجراءات أمنية مشددة وضبط الحدود ومكافحة تهريب الأسلحة.