الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حفلة هاني شاكر وصراخ البدري فرغلي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ويلف الكلام ويدور حتى وصلنا إلى يوم الخميس الماضى.. حالة طوارئ بمجلس الوزراء أعقبها سيل من التصريحات الوردية على لسان المهندس شريف إسماعيل وعدد من وزرائه.. تبشرنا بالخير وتنعم علينا بما جادت به الحكومة الميمونة.. «علاوة اجتماعية فى يوليو المقبل.. استمرار تنقية البطاقات التموينية حتى يصل الدعم لمستحقيه.. الضرب بيدٍ من حديد على الذين يرفعون الأسعار ويشعلون الأسواق».
كلام جميل «مقدرش أقول حاجة عنه».. لكنك عزيزى القارئ ألا تشعر أنك سمعت أو قرأت هذا الكلام كثيرًا كثيرًا؟.. كلما اقترب يوليو «موعد تطبيق الموازنة» يخرج علينا رئيس الوزراء ليعلن عن علاوة اجتماعية جديدة.. سمعنا ذلك على لسان إبراهيم محلب وحازم الببلاوى وعصام شرف وكمال الجنزورى وأحمد نظيف وعاطف عبيد وغيرهم كثيرون، فهل أدت العلاوة لتحسين الأحوال؟.. بالطبع الإجابة بالنفى لأنها تأتى فى إطار غير متكامل ولا وفق سياسات واضحة ومحددة تضمن بالفعل السيطرة على الأسعار، فالأمور تسير حسب التساهيل، لتظل الرقابة على الأسواق مجرد «بروباجندا» أو عمل دعائى بحت لأن التعليمات القادمة من الصندوق تقول: «السوق حر.. مفيش حاجة اسمها تسعيرة».
توقفت كثيرًا أمام حكاية «الضرب بيد من حديد على الذين يرفعون الأسعار».. يا ترى الوزير هيضرب مين ولا مين؟ وهل من اللياقة أن يضرب زميله الجالس بجواره أو بالقرب منه فى اجتماع مجلس الوزراء؟.. ذلك أن الوزير، الذى تستهويه فيما يبدو رياضة الملاكمة، عليه إذا أراد أن ينفذ تهديده، أن يمد يده على زميله وزير النقل الذى رفع سعر تذكرة المترو، و«مفيش مانع يطولها شوية» لتصل إلى وزير البترول الذى رفع سعر البنزين والسولار، لترتفع بذلك أسعار النقل والتنقل، وإذا كانت لا تزال لديه قدرة على الضرب فلا ينسى عفوًا زميله وزير المالية صاحب قانون ضريبة القيمة المضافة التى أدت إلى زيادة فى أسعار العديد من السلع والخدمات، ولا أعتقد أن الوزير الملاكم سيكون قادرًا على الاقتراب من الراجل الكبارة وزير الكهرباء الذى أعلن عن برنامج زمنى لتقليل الدعم تدريجيًا عن الكهرباء لترتفع فواتيرها بشكل غير طبيعى، وما زال الناس ينتظرون الزيادة الجديدة فى يوليو المقبل.
تضرب مين ولا مين يا سيادة الوزير.. وأنت سيد العارفين وتعلم كما يعلم جميع زملائك أن سياسات حكومتك هى المتهم الأول والأساسى فيما يعانيه الناس من غلاء فاق كل الاحتمال؟.. الناس فى بلادى يدركون الحقيقة، ولم يعد مجديًا أن يتصور الوزير، أى وزير، أنه وحده يمتلك الحكمة ويطرح الرأى السديد الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه، فيخرج علينا كثير منهم زاعمين: «ليس أمامنا إلا هذا الطريق»، ويقصدون بالطبع «طريق الصندوق»، مع إن الطرق كثيرة تحدث عنها العديد من الخبراء والمتخصصين وأصحاب الرؤى العلمية القادرة على الخروج بالبلاد من عنق الزجاجة، عبر خطط معروفة ولا تقترب من الغالبية العظمى من الشعب، لكن نعمل إيه فى حكومة تصر على تنفيذ ما التزمت به مع ساكنى الصندوق مهما كانت تداعياته وأخطاره، وتسير فى طريق واحد لا ترى غيره، حتى تصل بنا إلى «حارة سد» لا قدر الله.
وحتى لا نبخس الحكومة حقها، يبقى الكلام عن وصول الدعم لمستحقيه، أسطوانة يجيد الجميع ترديدها والتغنى بها لدرجة تجعلنا نقترح على الفنان هانى شاكر، أن يعلن عن جائزة جديدة، ويقيم حفلا ساهرًا برعاية نقابة الموسيقيين، يمنح خلاله أفراد الحكومة أوسكار «الدعم المعسول».. صدقونى سيكون الحفل حدثًا عالميًا له صداه فى كل الدنيا.. ويا سلام لو أبدع هانى شاكر بصوته الرنان أغنية جديدة: «ادعمنى ياحبيبى دعمًا غير محدود.. أهو كله عشان عيونك ياحبيبى المحدود».. توكل على الله يافنان وأتعهد لك بدعوة كل فضائيات العالم لنقل الحفل على الهواء مباشرة.. خلى الناس تفرح وتنسى الهم اللى طابق على صدرها.. محدش واخد منها حاجة.
إيه الناس دى؟ يتكلمون عن الدعم كما لو كان منة أو هبة من جيوبهم الخاصة رغم أنه حق أصيل للمواطن ونظام أقرته الرأسمالية «الرأسمالية اللى بجد مش رأسمالية النهب والضحك على الدقون».. حتى غادة والى دخلت على الخط وأدلت بتصريح أضحكنى كثيرًا حتى كدت أنقلب بالكرسى.. الوزيرة قالت بفخر «إن الحكومة لم تقترب من سعر تذكرة المترو بالنسبة لأصحاب المعاشات، وأبقت عليها بجنيه كما هى»، ومع كل الشكر للوزيرة فإنها بالطبع تعلم أن الملايين من أصحاب المعاشات لا يسكنون جميعهم بالقاهرة الكبرى، وتعلم أن هناك أكثر من ٦٤٨ مليار جنيه من أموال هؤلاء الناس لا يعلم أحد مصيرها بوضوح فى ظل انعدام الشفافية، ويتم التصرف فيها كملكية خاصة للحكومة، فتسمع عن جزء منها مطروح فى البورصة، وجزء آخر لدى وزارة المالية.. وهكذا بينما الذين أفنوا عمرهم فى خدمة الوطن يتسولون حقوقهم فى الغذاء والكساء والعلاج والحياة أيضًا، ليستمر صراخ البدرى فرغلى، الذى نبه كثيرًا من أن «هناك ملايين من أصحاب المعاشات يتقاضون أقل من ٥٠٠ جنيه، فهؤلاء ليسوا تحت خط الفقر بل تحت خط الموت»، وبصراحة فإن البدرى فرغلى تعداه العيب تمامًا ونلتمس له الأعذار حين قال: «الحكومة تعتبرنا عبئًا على الدولة بينما الحقيقة أن الحكومة هى التى تمثل عبئًا حقيقيًا على البلد».
أيها الوزراء.. استقيموا يرحمكم الله.. وسلامًا على الصابرين.