كما أن للنجاح عباقرة يفكرون ويخططون ويتقنون ويعملون فينجحون، فإن للفشل عباقرته يخططون للوصول إلى حالة الفشل المثلى، لتصبح حياتهم حلقات مسلسلة من الفشل، وهناك من يسعى إلى الفشل سعيه إلى النجاح لأنه خطط لذلك، مأجورًا كان أو متبرعًا، فهناك من يفشل متعمدًا لحساب آخرين، كمن يتعمد هزيمة فريقه فى مباراة لكرة القدم لحساب فريق آخر، أو حارس مرمى يتعمد ألا يقوم بإبعاد الكرة ليتركها تدخل مرماه، وذلك لحساب الفريق الآخر، هذا الحارس يعتبر نفسه قد حقق نجاحًا رغم فشله، وذلك لأنه استهدف ذلك الفشل وخطط له فكان فشلًا متعمدًا.
فى مصر الآن دوائر عدة تخطط للفشل تخطيطها للنجاح، بيد أن الخطوط الفاصلة بين الفشل المخطط له سلفًا والفشل غير المقصود تكاد لا تُرى، ولا يمكن التفرقة بين ما هو مقصود وما هو غير ذلك، لكن فصل الخطاب أن كلا الفشلين نتيجته واحدة فى كل الأحوال.
عبقرية الفشل ظهرت منذ أزمنة بعيدة واستمرت حيث توارثها أتباعها ومريدوها وطوروا منها وحذفوا وأضافوا وفقًا للمستجدات. وأكاد أرى هؤلاء «العباقرة» يتسللون إلى مؤسسات الدولة تحت مزاعم براقة وكلمات تدغدغ مشاعر البلهاء، لأنهم يتحدثون عن مصر والوطنية والشفافية وحسن الخلق والحوكمة والتسامح وعن وعن... لكنهم يقولون دومًا ما لا يفعلون، وينطبق عليهم قوله تعالى: (الأخسرين أعمالًا)، وهم وفقًا للنص القرآنى: (الذين ضَل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا). إن المجتمع المصرى نُكب بمثل هؤلاء فى العديد من المواقع والمؤسسات التى ترتبط بمصالح البلاد والعباد، ما أسوأ هؤلاء عندما يوجدون فى مؤسسات تتعامل مع الاستثمار والمستثمرين، هؤلاء ينظرون إلى المستثمر على أنه متهم باستهداف تحقيق الربح، والكارثة المحققة إذا ضبط المتهم -أقصد المستثمر- متلبسًا بتهمة الفهم والذكاء والتفرد، وتكون الكارثة مضاعفة إذا كان المتهم أو المستثمر سوابق! أى أنه سبق له تحقيق نجاحات ومكاسب سابقة! هنا تكون أركان الجريمة متكاملة، ويكون الحكم بإعدام المستثمر والقضاء على مشروعاته واجبًا وطنيًا يندرج تحت بند «الأمن القومى» بمفهومه الجديد وفق هؤلاء! طبعًا وقطعًا وقولًا واحدًا أنا لا أتحدث من أرضية افتراضية ولا أسبح فى خيالات عالم افتراضى، أنا أقف على أرض الواقع، فقط أقف مصدومًا مشدوهًا أمام وقائع محددة تحدث كل يوم فى مؤسسات الدولة الاقتصادية على وجه الخصوص، والقضية ليست جدلية بين مؤيد ومعارض، فقضايا الاقتصاد غير قضايا السياسة، لأن قضايا الاقتصاد ترتبط بالأرقام والإحصائيات التى لا تقبل التشكيك، فحجم الاستثمارات وعدد الشركات وسعر الصرف وأرقام ونسب البطالة والتضخم وعجز الموازنة وحجم الديون الداخلية والخارجية وغيرها من المؤشرات لا يمكن أن تكون موضع اختلاف بين مؤيدين ومعارضين، فالوضع الاقتصادى صعب ودقيق وخطير ما فى ذلك شك. إن الاقتصاد يمر بعنق زجاجة يعد أطول عنق زجاجة فى التاريخ، فكل التصريحات التى جاءت على لسان المسئولين وعلى مدار عقود وعقود كانت تتحدث عن خطط إصلاحية، الخمسية منها والعشرية، طويلة الأجل ومتوسطة وقصيرة، وكما نعلم جميعًا، فإننا ما زلنا فى عنق الزجاجة نتجرع أزمة تلو أزمة ونحن فى حالة انتظار أبدى، بيد أن عبقرية الفشل ما زالت تتحكم فى الأداء الاقتصادى، فتصريحات بعض المسئولين ليست لها علاقة بالواقع على الإطلاق، تصريحاتهم تعكس حالة من الانفصام التام بين الواقع والخيال، لقد اكتفى بعض المسئولين بإنتاج تصريحات يومية واستهلاك جل أوقاتهم فى حفلات استقبال وسفر لما يسمى بـ«حملات الترويج للاستثمار فى مصر» أو من خلال محاولات طرق الأبواب، حركة وسفر واستقبال وتصريحات... والنتيجة، كما نرى ونتابع ونعيش.
هناك مسئولون أدمنوا الفشل وحوّلوه إلى هدف فنجحوا وأصبحوا عباقرة؛ حيث أسسوا مدرسة «عبقرية الفشل».